تُعَدُّ مسألة لعن يزيد بن معاوية من القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً بين العلماء قديماً وحديثاً، لما ارتبط بشخصيته من أحداث جسام في التاريخ الإسلامي، كحادثة كربلاء، وواقعة الحرة، ومسائل الحكم والسياسة. وقد استغل علماء الشيعة هذه المسألة للطعن في أهل السنة والجماعة، مستندين إلى روايات منسوبة إلى الإمام أحمد وغيره، مع تحريفات وإسقاطات تخدم منهجهم العقدي.

وفي هذا المقال نعرض ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم منهاج السنة النبوية، حيث فصَّل القول في حكم لعن يزيد بن معاوية، وبيَّن اختلاف العلماء في لعن الفاسق المعيَّن، وهل يجتمع في الشخص الواحد ثواب وعقاب، مع مناقشة ما استدل به المخالفون والجواب عنه بالأدلة الشرعية والعقلية.

كلام ابن تيمية من منهاج السنة:

كان ابن تيمية يجيب في هذا الكتاب على كتاب منهاج الكرامة لابن المطهر الحلي، الفقيه الشيعي الشهير المتوفى سنة 726هـ، أي قبل وفاة ابن تيمية بسنتين. وقد ذكر ابن المطهر شبهات كثيرة يهاجم فيها أهل السنة، مما دفع ابن تيمية للرد عليه. وكان من ضمن الشبهات موضوع بيعة يزيد بن معاوية ولعنه، واستدلال ابن المطهر بحديث منسوب إلى الإمام أحمد مع تحريف في النص.

والعجيب أن الشنقيطي سار على نهج ابن المطهر الحلي وأغفل إجابة ابن تيمية، رغم أنه ينتسب إلى التيار السلفي الذي يزعم اتباعه لمدرسة ابن تيمية. وليس هذا فحسب، بل إنه أغفل ردود ابن تيمية على دعاوى ابن المطهر من سبي أهل المدينة واستباحة فروج العفيفات.

وبعد هذا التنبيه نرجع إلى ما قاله ابن تيمية في منهاج السنة:

القول في لعن يزيد بن معاوية:

"القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم، ويزيد خيرٌ من غيره: خيرٌ من المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير العراق، الذي أظهر الانتقام من قتلة الحسين؛ فإن هذا ادعى أن جبريل يأتيه. وخير من الحجاج بن يوسف؛ فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس. ومع هذا فيُقال: غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقاً، فلعنة الفاسق المعيّن ليست مأموراً بها، إنما جاءت السنة بلعنة الأنواع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده) وقوله: (لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً) وقوله: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقوله: (لعن الله المحلل والمحلل له) وقوله: (ولعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها)".

منهاج السنة، تحقيق د. محمد رشاد سالم، ج4، ص567-569.

اختلاف العلماء في لعن الفاسق المعيّن:

يقول ابن تيمية:

"وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعيّن؛ فقيل: إنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره. وقيل: إنه لا يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي بكر عبد العزيز وغيره. والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعيّن، كالحجاج بن يوسف وأمثاله، وأن يقول كما قال الله تعالى: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18].

وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً كان يُدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه، فأُتي به إليه، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله). فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعيّن الذي كان يكثر شرب الخمر، معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدل ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا تجوز لعنة المعيَّن الذي يحب الله ورسوله".

منهاج السنة، ج4، ص569-570.

هل يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب؟

يقول ابن تيمية:

"ومن جوّز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعيّن؛ فإنه يقول: يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب، مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لا ستحقاقه الثواب، واللعنة له لا ستحقاقه العقاب. واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه. وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة..".

منهاج السنة، ج4، ص570-571.

ثم يخلص ابن تيمية إلى قوله:

"فالذي يجوّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج إلى شيئين: إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مصراً على ذلك. والثاني: أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة. والمنازع يطعن في المقدمتين، ولا سيما الأولى".

منهاج السنة، ج4، ص571.

الاحتجاج بآية سورة هود:

ويقول ابن تيمية:

"فأما قوله تعالى: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] فهي آية عامة كآيات الوعيد... فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب؟ أو لم تكن له حسنات ماحية؟ أو لم يبتل بمصائب مكفِّرة؟..".

منهاج السنة، ج4، ص571-572.

تعليق ابن تيمية على رواية الإمام أحمد:

وأما ما نقله ابن المطهر الحلي عن الإمام أحمد، فقد بيّن ابن تيمية أن الثابت عنه أنه كان يكره لعن المعيّن، ويكتفي بقول: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. وما نُقل عنه في لعن يزيد رواية منقطعة غير ثابتة، ولو ثبتت فهي على العموم لا على التعيين.

منهاج السنة، ج4، ص574.