يُعَدّ الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (673هـ 748هـ) من أبرز أئمة الحديث والتاريخ والنقد في التراث الإسلامي، فقد اشتهر بدقته في توثيق الرواة والكتب، وتحذيره من المؤلفات التي تضم أوهامًا، أو موضوعات، أو انحرافات عقدية وفكرية قد يلتبس أمرها على عوام الناس. وقد وقف الذهبي رحمه الله بحزم تجاه بعض المؤلفات التي يستغلها أهل البدع والضلال من الشيعة الروافض أو النصارى أو المنافقين، فيزعمون أنها من كتب أهل السنة والجماعة، ثم يقتطعون منها نصوصًا وشبهات ليضللوا بها العوام، أو ليثبتوا صحة باطلهم. ومن هنا تأتي أهمية التنبيه على هذه الكتب، وذكر موقف الإمام الذهبي منها، حتى يكون المسلم على بصيرة.

عرض الكتب والمؤلفين الذين حذّر منهم الذهبي

كتاب "زاد الرفاق" محمد بن أحمد الأبيوردي:

قال الذهبي: قال ابن الخنشاب: قرأت على عبد الرحيم بن الأخوة ثلاثة أجزاء من أول كتاب "زاد الرفاق" للأبيوردي، وهذا الكتاب نعم والله بارد الوضع، مشوب أدبه بفضول من علوم لا تُعَدّ في الفضل، دالة على أن الأبيوردي كان مُمَخْرِقًا، محبًا لأن يُرى بعين مُفْتَنّ، متشبعًا بما لم يُعْطَ.

كتب "الزيج-المواليد -القرانات-طبائع البلدان"  لأبي معشر البلخي:

لم يصرح الذهبي في ترجمة أبي معشر بالتحذير المباشر من كتبه، لكنه قال: "وصنف كتاب الزيج، وكتاب المواليد، وكتاب القرانات، وكتاب طبائع البلدان، وأشياء كثيرة من كتب الهذيان".

 كتاب "سرّ العالمين وكشف ما في الدارين" / لأبي حامد الغزالي:

قال الذهبي: ذكر أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب "رياض الأفهام" أن أبا حامد في كتابه "سرّ العالمين" قال في حديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، إن عمر قال لعلي: بخٍ بخٍ أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم علّق أبو حامد بكلام يوافق الإمامية، فقال الذهبي: "وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه وتبع الحق... ففي هذا التأليف بلايا لا تتطيب".

كتاب "شفاء الصدور" في التفسير / لأبي بكر النقاش

قال الذهبي بعد نقله أقوال العلماء في تضعيف النقاش: وقال الحافظ هبة الله اللالكائي: "تفسير النقاش أشقى الصدور لا شفاء الصدور".

كتاب "الفاروق في الصفات" / لأبي إسماعيل الهروي

قال الذهبي: "كان الهروي طودًا راسيًا في السنة، لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدّر به كتابه الفاروق في الصفات بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها... لكن غالب ما رواه صحاح وحسان".

كتاب "الفتن" / لنعيم بن حماد

قال الذهبي: "لا يجوز لأحد أن يحتج به". ثم قال: "وقد صنف كتاب الفتن فأتى به بعجائب ومناكير".

الخاتمة

إن تحذيرات الإمام الذهبي من هذه الكتب وأمثالها، تمثل صرخة وعي للأمة الإسلامية، وتذكيرًا بأن ليس كل ما يُنسب إلى التراث السني أو يُطبع بين أيدينا صالح للاعتماد أو الاستشهاد. بل لا بد من عرض النصوص على معايير النقد الحديثي والعلمي، وتمييز الصحيح من الموضوع، حتى لا تكون هذه الكتب مطية للمبطلين، ولا وسيلة لتشويه عقيدة أهل السنة والجماعة.