الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (673هـ – 748هـ) كان من أبرز نقاد الحديث والتاريخ، ومن أكثر العلماء حرصًا على صيانة الشريعة من الكذب والتحريف. لم يقتصر نقده على الأسانيد والرواة فحسب، بل تعداه إلى كشف زيف بعض المصنفات والمؤلفين الذين دسوا في كتبهم الأباطيل أو نسبوا إلى الأئمة ما لم يقولوه. وقد ميّز الذهبي بين الحق والباطل بدقة، وحذَّر من مؤلفات بعض الأشخاص الذين لم يصرّح بأسماء كتبهم، ولكن بيّن ما وقعوا فيه من وضعٍ وكذبٍ أو تأليفات مشبوهة. وهذه الوقفات تكشف جانبًا مهمًّا من أمانة الذهبي في حفظ الدين، ونزاهته في بيان الحق.
الأسماء التي حذَّر منها الذهبي دون التصريح بمصنفاتهم
أبو حيّان التوحيدي:
♦ وضع رسالة نسبها إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي الله عنهم جميعًا.
♦ قال الذهبي: "قد باء بالاختلاف على الصفوة، وقد رأيتها وسائرها كذب بيّن".
♦ وقد اعترف التوحيدي بوضع هذه الرسالة، وزعم أنه كتبها ردًّا على الرافضة حين غلوا في علي رضي الله عنه.
♦ وعلّق الذهبي قائلًا: "اعترف بوضعها، وقد نفاه الوزير المهلبي عن بغداد لسوء عقيدته، وكان يتفلسف".
أبو محمد البخاري الحنفي ("الأستاذ"):
مقالات السقيفة ذات صلة: |
عند الشيعة الرسول ذهب عقله كاد عقلة أن يطير علي رضي الله عنه يعطل حد اللواط في كتب الرافضة |
هو أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الحنفي (المعروف بـ "الأستاذ")
· قال الذهبي: "قد ألّف مسندًا لأبي حنيفة الإمام، وتعب عليه، ولكن فيه أوابد ما تفوّه بها الإمام، راجت على أبي محمد".
· ومعنى ذلك أنه نسب إلى الإمام أبي حنيفة أقوالًا وأحاديث لم تصح عنه.
3- أبو علي الحسن بن علي الأهوازي
• جمع سيرة لمعاوية رضي الله عنه، و"مسندًا" في بضعة عشر جزءًا، حشاه بالأباطيل السمجة.
• وألف كتابًا طويلاً في الصفات فيه أحاديث موضوعة وروايات مستنكرة.
• قال الذهبي ناقلًا عن ابن عساكر: "اطّلع على ما فيه من الآفات، ورأى ما فيه من الأحاديث الموضوعة، والروايات المستنكرة المدفوعة، والأخبار الواهية الضعيفة، والمعاني المتنافية السخيفة كحديث ركوب الجمل وعرق الخيل... فقضى عليه في اعتقاده بالويل".
• كما قال الذهبي: "لا يستعبرن جاهل كذب الأهوازي فيما أورده من تلك الحكايات، فقد كان أكذب الناس فيما يدَّعي من الروايات في القراءات".
الخاتمة
إن تنبيهات الإمام الذهبي على هؤلاء الأشخاص وأمثالهم تبرز عظمة منهجه في النقد، وحرصه على تنقية الدين من الكذب والدخيل. فكم من مصنفات قد تُزيَّن للناس، وهي في حقيقتها مليئة بالموضوعات والباطل، مما يجعل تحذير العلماء منها ضرورة لحفظ عقيدة الأمة. وعلى طلبة العلم أن يزنوا الكتب بميزان أهل النقد والتحقيق، وألّا يغتروا بكل ما يُنسب إلى الأئمة أو الصحابة إلا بعد التثبت من صحته.