من المسائل العظيمة التي تناولها علماء القرآن والحديث قضية الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن الكريم، والتي كانت رحمةً وتيسيرًا للأمة في تلقي كلام الله جل وعلا. ومن أبرز النصوص التي تتعلق بهذا الباب حديث عمر رضي الله عنه مع النبي ﷺ حين اختلف مع رجل في القراءة، فبيّن له رسول الله ﷺ أن القرآن أُنزل على وجوه متعددة، كلها صواب ما لم يُغيّر معنى العقيدة أو الأحكام.

هذا الحديث وغيره يؤكد أن اختلاف القراءات ليس تحريفًا ولا تناقضًا، وإنما هو تنوع مشروع أنزله الله عز وجل، ثم انتهى الأمر إلى جمع المصاحف العثمانية على حرف واحد حفاظًا على وحدة الأمة، كما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم.

نص الحديث كما في مسند الإمام أحمد

قال الامام احمد: " 16366 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ يَسْكُنُ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ فَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَرَأَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "قَدْ أَحْسَنْتَ"، قَالَ: فَكَأَنَّ عُمَرَ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عُمَرُ، إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ يُجْعَلْ عَذَابٌ مَغْفِرَةً أَوْ مَغْفِرَةٌ عَذَابًا"، وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرَّةً أُخْرَى أَبُو ثَابِتٍ مِنْ كِتَابِهِ [1]

شرح الحديث ومعناه:

بيّن الإمام أحمد رحمه الله بهذا الأثر أن القراءة بالوجوه المختلفة المشروعة داخلة في الأحرف السبعة التي أُنزل بها القرآن.

لم يكن الحكم واضحًا لعمر رضي الله عنه في بداية الأمر، فصحح على الرجل، فلما استشهد الرجل بقراءة النبي ﷺ اجتمعوا عنده، فأقر النبي ﷺ قراءة الرجل.

قال النبي ﷺ: «إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ يُجْعَلْ عَذَابٌ مَغْفِرَةً أَوْ مَغْفِرَةٌ عَذَابًا» أي: أن وجوه القراءة المشروعة صحيحة ما لم تغيّر المعنى تغييرا يُفسد العقيدة أو الحكم.

تعليق السندي:

قال العلامة شعيب الارناؤوط معلقا على الاثر في هامش مسند الامام احمد: " قال السندي: قوله: فغير، أي: عمر.

قوله: عليه: أي: على ذلك الرجل، أي: رَدَ عليه.

قوله: وجد من ذلك: وكان عمر أخذ من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه آخر، فتعجب من ذلك.

قوله: ما لم يُجعل عذاب مغفرة أي كأن يقرأ بعد ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: 6] ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ أو بالعكس، فهذا لا يجوز، والحاصل أن القراءة غير المغيرة لأصل المعنى على الوجوه السبعة المنزلة جائزة، وخفي ذلك على عمر، ثم ظهر له.

قلنا:

وانظر لزاماً ما جاء في "شرح مشكل الآثار" 8/108-134 حول موضوع القراءة بالمعنى، فقد قال: إنما كان ذلك في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد "

مسند الامام احمد تحقيق شعيب الارناؤوط ج 26 ص258

الخلاصة

هذا الحديث يبين فضل التيسير في إنزال القرآن على سبعة أحرف، وأن النبي ﷺ أقر الصحابة على القراءات المختلفة ما دامت صحيحة لا تغيّر المعنى. ثم أجمعت الأمة بعد جمع عثمان رضي الله عنه على القراءة بحرف واحد حفاظًا على وحدة الكلمة.

 

[1] إسناده حسن ..... " مسند الامام احمد تحقيق شعيب الارناؤوط ج 26 ص 285