انتشرت عبر بعض المصادر الضعيفة والكتب المشبوهة روايات تزعم أن الحجاج بن يوسف الثقفي غيّر في مصحف عثمان رضي الله عنه أحد عشر حرفاً. وهذه الدعوى الباطلة استغلها أهل الأهواء للطعن في حفظ القرآن الكريم، متجاهلين ما أجمعت عليه الأمة من أن كتاب الله محفوظ بحفظ الله، لم يزده أحد ولم ينقص منه أحد، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].

وفي هذا المقال سنناقش الرواية سنداً ومتناً، ونبيّن وجوه بطلانها، ليظهر للقارئ بجلاء أنها مجرد فرية لا تثبت أمام النقد العلمي.

نص الرواية

روى أبو بكر بن أبي داود (ابن صاحب سنن أبي داود) قال: حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثنا عباد بن صهيب، عن عوف بن أبي جميلة، أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً.

ثم سرد أمثلة من التغييرات المزعومة:

في البقرة: ﴿لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ [البقرة: 259] بغير هاء، فغيّرها إلى: لم يتسنه.

في المائدة: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة: 48]، زُعم أنه غيّرها من شريعة.

في يونس: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ [يونس: 22]، قيل إنه بدّلها من ينشركم.

في يوسف: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ [يوسف: 45]، زُعم أنه غيّرها من آتيكم.

في المؤمنون: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون: 84-89] ثلاث مرات، وادّعوا أنه جعل الأخيرة الله الله.

في الشعراء: ﴿مِنَ الْمُرْجُومِينَ [الشعراء: 116] و﴿مِنَ الْمُخْرَجِينَ [الشعراء: 167]، فادعوا أنه بدّل الموضعين.

في الزخرف: ﴿مَعِيشَتَهُمْ [الزخرف: 32] بدلاً من معايشهم.

في المؤمنون (الذين كفروا): ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: 15]، قالوا: كانت ياسن.

في الحديد: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَنْفَقُوا [الحديد: 7]، زعموا أنها كانت واتقوا.

في التكوير: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير: 24]، قالوا إنها كانت بظنين.

الحكم على الرواية سنداً ومتناً

أولاً: في الإسناد

الراوي: أبو بكر ابن أبي داود، وهو ليس الإمام أبا داود صاحب السنن، بل ابنه. وقد اتهم بالكذب وضعف نقله.

العلّة الكبرى: في السند عباد بن صهيب، وهو متروك الحديث. قال علي بن المديني: «ذهب حديثه»، وقال البخاري والنسائي: «متروك»، وقال ابن حبان: «قدري داعية، يروي الموضوعات»، وقال الذهبي: «أحد المتروكين» (ميزان الاعتدال 4/28).

ثانياً: في المتن

1)  كيف يمكن أن يغيّر الحجاج آيات من القرآن ويتفق المسلمون على ذلك؟!

2)  المصاحف العثمانية انتشرت في الأمصار قبل الحجاج بعقود، فكيف يجمع كل المصاحف ويبدلها؟ هذا محال عقلاً ونقلاً.

3)  الأمة لم تسكت عن الكذابين على النبي ﷺ، بل فضحتهم وأسقطت روايتهم، فكيف تقبل بتغيير القرآن وتسكت عنه؟!

4)  حفظة القرآن من الصحابة والتابعين كانوا بالمئات والآلاف، فلا يمكن لأحد أن يغيّر ما استقر في صدور الأمة.

5)  القرآن محفوظ بحفظ الله، فلا سلطان لبشر عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].

الخلاصة

الرواية مكذوبة سنداً ومتناً، ولا يصح الاستدلال بها على وقوع تغيير في المصحف العثماني. وما زعمه بعض المغرضين لا يعدو كونه شبهات واهية، يكفي عرضها على قواعد النقد الحديثي والعقلي لإثبات بطلانها.