من أعظم ما تميّزت به الأمة الإسلامية عنايتها بكتاب الله تعالى، حفظًا وروايةً وضبطًا، حتى لم يدع العلماء بابًا من أبوابه إلا وطرقوه، دفاعًا عن القرآن الكريم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين. ومن الشبهات التي يثيرها بعض الرافضة استدلالهم بحديث موضوع يُنسب إلى النبي ﷺ بأن القرآن يشتمل على مليون وسبعة وعشرين ألف حرف. وقد بيّن أئمة الجرح والتعديل بطلان هذه الرواية، وكشفوا علّتها، وردّوا على من تذرّع بها للطعن في كتاب الله تعالى. وفي هذا المقال نعرض نص الرواية، وأقوال العلماء فيها، وبيان استغلال الرافضة لها، مع توضيح بطلان دعواهم.
نص الرواية ونقدها:
جاء في الرواية: حدثنا محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، حدثني أبي عن جدي آدم بن أبي إياس، ثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ﷺ:
"القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين."
رواه الطبراني في المعجم الأوسط (6/361)، وقال:
"لا يُروى هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد، تفرد به حفص بن ميسرة."
وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، وقال:
"تفرد بخبر باطل." (ميزان الاعتدال 6/251).
ثم ساق هذا الحديث، وأقره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/276).
موقف علماء أهل السنة:
◘ حكم العلماء على هذا الحديث بالبطلان، وأنه لا أصل له.
◘ قال الألباني: "ضعيف" (ضعيف الجامع رقم 4137).
◘ كما أورده في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (4073) وقال: "موضوع".
إذن، الرواية ساقطة السند والمتن معًا، ولا يجوز الاحتجاج بها.
استغلال الرافضة لهذه الرواية:
يحتج الرافضة دائمًا بما ذكره السيوطي في الإتقان (1/93)، إذ أورد الحديث. غير أنّهم يُغفلون عمدًا تعليق السيوطي نفسه، فقد أشار إلى علّته، وأن فيه محمد بن عبيد بن آدم شيخ الطبراني الذي تكلّم فيه الذهبي.
ومن تدليسهم أنهم ينقلون رواية السيوطي دون نقله لتضعيفها! بل إن الخوئي أوردها في كتابه البيان (ص 202) متهمًا أهل السنة بالطعن في القرآن، متجاهلاً اتفاق العلماء على بطلانها.
فأين الأمانة العلمية في النقل؟ وهل هذا من صفات "المحدث" كما يزعمون، أم من صفات المدلّس الذي يكتم كلام العلماء الثقات؟