من المسائل التي كثر فيها النقاش بين أهل العلم مسألة آية الرجم، وهل كانت من القرآن ثم نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، أم لم تكن من القرآن أصلاً؟ وقد ثبت في كتب الحديث والتفسير أن آية الرجم كانت تتلى، ثم نُسخ لفظها وبقي حكمها معمولًا به في الشريعة الإسلامية، وهو ما أجمع عليه علماء أهل السنة والجماعة. كما أن كتب الشيعة الإمامية أنفسهم أثبتت وجود هذه الآية ونقلوا عن أئمتهم التصريح بها، مما يوقعهم في حرج عقدي، إذ يضطرون للاعتراف بنسخ الرسم مع بقاء الحكم، أو القول بوجود نقص في القرآن.
الروايات عند أهل السنة:
رواية ابن حبان:
قال الإمام ابن حبان: " 4412 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الأبَّار عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: لَقِيتُ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ فَلَا تَجْعَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ قَالَ أُبَيِّ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا فَنَحْنُ نَقُولُ كَمْ تعدُّون سُورَةَ الْأَحْزَابِ مِنْ آيَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ قَالَ أُبَيِّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ الله والله عزيز حكيم)
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح - ((الصحيحة)) أيضاً " التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان – محمد ناصر الدين الالباني – ج 6 ص 426
السيوطي في الناسخ والمنسوخ:
وهذا الحديث من باب الناسخ، والمنسوخ، قال الامام السيوطي في اقسام الناسخ والمنسوخ: " الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ ........... وَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عن زز بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَأَيٍّ تَعُدُّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ قُلْتُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ آيَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَإِنْ كُنَّا لَنَقْرَأُ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ قُلْتُ وَمَا آيَةُ الرجم قال: " إذا زنا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"
الاتقان – جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 3 ص 81 – 82
العيني في عمدة القاري:
وقال العيني: " وَآيَة الرَّجْم هِيَ قَوْله: الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَهُوَ قُرْآن نسخت تِلَاوَته دون حكمه "
عمدة القاري – بدر الدرين أبو محمد محمود العينى - ج 24 ص 9
وقال ايضا: " قَوْله: آيَة الرَّجْم وَهِي قَوْله: الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، وَهُوَ مَنْسُوخ التِّلَاوَة بَاقِي الحكم "
عمدة القاري – بدر الدرين أبو محمد محمود العينى - ج 25 ص 55
الروايات عند الإمامية:
ولقد جاء في كتب الإمامية أن آية الرجم منسوخة.
قال الكليني: وبإسناده، عن يونس، عن عبد الله سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الرجم في القرآن قول الله عز وجل: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة».
الكافي – الكليني – ج 7 ص 177
وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول: «صحيح».
مرآة العقول – المجلسي – ج 23 ص 267
وقال الصدوق:
«14 - حدثنا محمد بن الحسن عن الحسن بن الحسن بن أبان عن إسماعيل بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في القرآن الرجم؟ قال: نعم، قال الشيخ: والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قد قضيا الشهوة».
علل الشرائع – الصدوق – ج 2 ص 540
فقد صرّح الصادق رحمه الله بأن الرجم في القرآن، فيلزم الرافضة إمّا أن يقولوا: إنه منسوخ الرسم مع بقاء حكمه، أو يقولوا: إن القرآن فيه نقص!
وقال المجلسي:
«(الحديث الثالث): صحيح. وعُدّت هذه الآية ممّا نُسخت تلاوتها دون حكمها، ورويت بعبارات أُخر أيضًا، وعلى أيّ حال فهي مختصّة بالمحصن منهما على طريقة الأصحاب، ويُحتمل التعميم كما هو الظاهر».
مرآة العقول – المجلسي – ج 23 ص 267
وقال الطوسي:
«ولا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: ....... والثاني: ما نُسخ لفظُه دون حكمه، كآية الرجم، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمّنة له منسوخة بلا خلاف، وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم) .....
التبيان – الطوسي – ج 1 ص 13
وقال الطبرسي:
«والنسخ في القرآن على ضروب ................ ومنْها ما يرتفع اللفظ، ويثبت الحكم، كآية الرجم، فقد قيل: إنها كانت منزلة، فرفع لفظها. وقد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن، فنسخت تلاوتها ...».
📖 مجمع البيان – الطبرسي – ج 1 ص 338
الخلاصة
إجماع أهل السنة والجماعة، واعتراف الإمامية أنفسهم، يثبت أن آية الرجم كانت منزلة ثم نُسخ لفظها وبقي حكمها. ومن هنا يظهر أن الطعن في هذه القضية لا يستقيم، بل هو حجة على من يثير الشبهة لا له.