حادثة "رزية الخميس" من أكثر الأحداث التي حاول الرافضة استغلالها للطعن في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولإثبات دعاوى باطلة حول وصية النبي صلى الله عليه وسلم. غير أن التحقيق في النصوص الصحيحة يبيّن أن الروايات التي يستندون إليها إما ضعيفة من مصادرهم أو مخالفة للعقل والنقل معاً. بل إن الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم وسنن أحمد توضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُمنع من تبليغ أي شيء، وأن ما وقع لم يكن إلا اجتهاداً محموداً من عمر رضي الله عنه، وتركاً من النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن واجباً كتابته. هذا المقال يقدم تفصيلات علمية في الرد على شبهات الرافضة، ويكشف تناقضاتهم في الاحتجاج بروايات لا تلزمهم، مع بيان بطلان دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرف أو عجز عن التبليغ، وحقيقة أن هذه القصة إنما كانت رزية على من زعم أن الوصية متعلقة بالإمامة، لا على الأمة التي ارتضاها الله بخلافة أبي بكر رضي الله عنه.

إليكم الرواية:

محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا محمد ابن حمدان الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي

قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن ابن عباس:

« ثم أغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس، وخفف الصلاة. ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلى الله عليه وآله يده على عاتق علي عليه السلام، والاخرى على أسامة ثم قال: إنطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما»

(الأمالي للصدوق 732-735 بحار الأنوار للمجلسي22/510 والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص74 واختارت لجنة حديثية علمية متخصصة في معهد باقر العلوم انتخاب هذه الرواية من ضمن كلمات الحسين وضمن كتاب أسموه: كلمات الإمام الحسين ص98 دار المعروف بطهران).

التعليق:

سكت الخوئي عن الحكم على هذه الرواية واكتفى بأن شهر آشوب رواها مرسلة. ولم يبين ما هو وجه الإرسال فيها. ولم يطعن في خالد الحذاء التابعي الذي هو من رواة الكليني في كتاب الكافي الذي حكم عبد الحسين الموسوي بأن كل مضامينه متواترة.

فماذا يقول الشيعة في هذه الرواية؟ وما حكم من يرويها؟

على مذهبكم يجب تكفير الصدوق والمجلسي والنيسابوري ولجنة التحقيق الرافضية الايرانية. لأنهم قد رووا عن النبي أنه صار خرفانا في آخر عمره.

وفي رواية رزية الخميس إشكالات عديدة على الرافضة:

لماذا يأتون بالرواية معتقدين أن عمر قال ذلك مع أن البخاري ومسلم ليسا من مصادر تلقي العقيدة عند الروافض؟

فيلزمهم أن النبي عصى ربه الذي أمره بالتبليغ ووعده بالعصمة ممن يمنعه التبليغ.

ولأن النبي غضب من كلام عمر فسكت عن التبليغ. فاستحق العقوبة كما استحقها نبي الله يونس حين غضب من قومه فأعرض عن دعوتهم كما قال تعالى ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان أمر بكتابته من غير التفات منه إلى أحد: لا عمر ولا غيره. ولا يمكن أن يقرر النبي ترك التبليغ لغضب اعتراه.

بل يلزمهم أن الله أخلف وعده بهذه العصمة وأعجزه عمر عن تحقيق وعده.

لماذا لم يعترض علي رضي الله عنه على قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم وقد كان مع النبي. بل وجدنا مكافأته له على ذلك بتزويجه ابنته وتسمية ابنه باسمه ومبايعته!!!

لماذا لم يقدم علي بن أبي طالب كتابا للنبي بما أن الصحابة لم يقدموا له كتابا؟

يلزمهم إذن: أن عليا أخفى تفاصيل الوصية فلا كتبها الصحابة ولا كتبها علي. وهذا يضرب عقيدتكم بأن عليا معصوم ولا ينفعكم أن تقولوا إن عليا لم يكن موجودا آنذاك. فإن الإمام عندكم لا يخفى عليه الشيء.

وقد بلغ من حماس الرافضة ضد عمر أنهم ألزموه بمخالفة هذه الآية. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب36).

لكنهم لم يلزموا فاطمة بهذه الآية حين اعترفوا أنها لم تستسلم لقول رسول الله الذي اتفق على صحته السنة والشيعة من أن « الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا». لا سيما وأنهم رووا في كتاب الكافي روايات تنص على منع المرأة أن ترث العقار. وأرض فدك من العقار.

فعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ « أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَرِثُ مِمَّا تَرَكَ زَوْجُهَا مِنَ الْقُرَى والدُّورِ والسِّلاحِ والدَّوَابِّ شَيْئاً وتَرِثُ مِنَ الْمَالِ والْفُرُشِ والثِّيَابِ ومَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا تَرَكَ ويُقَوَّمُ النِّقْضُ والأَبْوَابُ والْجُذُوعُ والْقَصَبُ فَتُعْطَى حَقَّهَا مِنْهُ»

(الكافي7/127 وصححها المجلسي في مرآة العقول23/188).

ويلزمهم أن عليا زوج ابنته أم كلثوم لمن لا دين له ولا خلق عندهم. مع أنه قد جاء في الحديث «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».

أن عليا زوج كافرا بينما امرأة نوح وامرأة لوط خانتا بعد الزواج.

أن عمر بن الخطاب استطاع أن يمنع الوحي وقدر على ما عجز عنه أبو جهل وأبو لهب.

أن الله أمر بالتبليغ ووعد بالعصمة وأخلف وعده فمنع عمر الوصية وهي وحي.

أن النبي غير معصوم. وهذا ضرب لأصل مذهب الشيعة.

أن النبي لم ينصح أمته بل ترك كتابة الوصية التي هي أمان من الضلال. وقد عهدت الشيعة يقولون من باب الإلزام: لماذا لم يعصمنا الرسول من الضلال بعدم كتابته الوصية: فنقول أنتم لم يثبت عندكم هذا الحديث أصلا حتى تطرحوا مثل هذا التساؤل.

أن الصحابة وأهل البيت أجمعوا على عدم كتابة الوصية. ولم يكن عند الله من القوة ما يكسر هذا الإجماع فوقع إخلاف الوعد بالعصمة. والعصمة ضمان لتبليغ الوحي. فكان بمقتضى العصمة أن يقيد الله رجلا واحدا على الأقل يكسر هذا الإجماع المزعوم ولو أن يكون رجلا كعلي بن أبي طالب.

أن النبي ما تكلم بالوصية حين أجمع الصحابة على عدم كتابتها.

أننا صرنا بذلك محرومين من نعمة الهدى واقعين في الضلالة.

وإلى التفصيل في فقه هذه الرواية من صحيح مسلم. فنقول:

إن هذه الرواية قد أبهمت مضمون وموضوع الوصية. غير أن حديثا آخر يبين مضمونها وهو ما رواه أحمد في المسند:

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن بن أبي مليكة عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله e قال رسول الله e لعبد الرحمن بن أبي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى اكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون ان يختلف عليك يا أبا بكر»

(رواه احمد في المسند وصححه الألباني).

ودعوى الرافضة أن عمر منع رسول الله من كتابة الوصية مهدومة بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ﴾ فقد أمر الله نبيه في هذه الآية بتبليغ جميع ما أنزل إليه من ربه، ولا يخاف أذى قومه لأن الله عاصمه من أذاهم.

وهي ترد على من زعموا أن عمر منع الرسول ص من كتابة الوصية لأنه قال «إن رسول الله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله». والآية نص على أنه لا أحد يستطيع أن يمنع رسول الله من تبليغ ما يريد.

مما يؤكد أن هذه المقولة من عمر دليل على أنه ملهم ومحَدَّث. وجاء إعراض النبي عن كتابة الوصية ليؤكد ذلك. وقد أعجز الله أبا جهل وأبا لهب عن أن يمنعوا النبي من شيء من التبليغ فكيف ينجح عمر في منع النبي من الوصية ومنع علي من الخلافة؟ ما هذا المخلوق الذي أعجز الله ونبيه ووصيه بزعمكم؟

قال الحافظ ابن حجر:

« وكأنه لما أراد الكتابة فوقع الخلاف ظهر له أن المصلحة في عدمها فتركها اختيارا منه كيف وهو عليه الصلاة والسلام لو صمم على شيء لم يكن لأحد عمر أو غيره أن ينطق ببنت شفة ولقد بقي حيا بعد هذه القضية نحو ثلاثة أيام ليس عنده عمر ولا غيره بل أهل البيت كعلي والعباس فلو رأى المصلحة في الكتابة بالخلافة أو غيرها لفعله على أنه اكتفى في الخلافة بما كاد أن يكون نصا جليا وهو تقديم أبي بكر رضي الله عنه للإمامة بالناس أيام مرضه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه لما خطب لمبايعة أبي بكر على رؤوس الاشهاد رضيه رسول الله أرسل إليه أن صل بالناس وأنا جالس عنده ينظرني ويبصر مكاني ونسبة علي رضي الله عنه فارس الإسلام إلى التقية جهل بعظم مكانته وأنه ممن قال الله فيهم لا يخافون لومة لائم».

قول ابن عباس (إن الرزية كل الرزية الخ) هو ما يتبارد إلى ابن عباس وإلى كل من يحرص على ما يجنبنا الضلالة. وقوله هذا معارض بقول عمر وترك الرسول كتابة الوصية. وهذا الترك تأدييد من النبي لعمر. فلو أراد النبي الكتابة لما منعه أحد وقد بقي حيا أسبوعا بعد ذلك ولم يأمر بكتابة الوصية.

ولكنها كانت رزية على الرافضة لو ثبت أن الوصية متعلقة بالإمامة. فإن الله اختبر الرافضة بهذا وفشلوا في الإختبار. فكفروا برفضهم أبا بكر، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. فمن رضي أبا بكر فقد الله والمؤمنين، ومن رفض أبا بكر فقد عادى الله والمؤمنين. والذي عليه أهل العلم أن النبي أراد أن ينص على استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتمادا على تقدير الله تعالى.

وعسى أن يكون في ذلك خير للمؤمنين كما كان في نسيان النبي لليلة القدر خسارة ولكن عسى أن يكون خير لنا كما قال عليه الصلاة والسلام. فإن النبي لا يترك ما كان فيه خير لنا. ولو كانت الوصية واجبة فلا يجوز لرسول الله أن يترك واجبا. ولو كانت متعلقة بالإمامة فإن النبي قد وصى بإمامة أبي بكر في غير مرة كما قال « ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

فإن زعم الرافضة أن عمر تمكن من منع رسول الله من تبليغ الوحي فيلزمهم أنهم جعلوا عمر قاهرا لما يريد الله مانعا رسول الله. كما فعلوا من قبل حين لزمهم اعتقاد أن عليا كان جبانا ضعيفا يضرب عمر زوجته على مرأى منه ويُسقِط جنينها فلا يحرك علي ساكنا.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقر باطلا. ولو كان في قول عمر ما يخل بالأدب لأنكر النبي عليه. لكنه لم يفعل.

وقد قال عليه الصلاة والسلام « قوموا عني ولا ينبغي عند نبي تنازع». وهو لم يقل لعمر (قم عني ولا ينبغي أن تقول هذا لنبي). مما يؤكد أنه لم ير في قول عمر ما ينافي الأدب معه. وإنما أمرهم أن يقوموا عنه جميعهم بمن فيهم الذين أمروا بكتابة الكتاب بسبب نزاعهم وخصومهم. والدليل قوله عليه الصلاة والسلام «قوموا عني ما أنا فيه خير مما أنتم فيه».