دأبت الفرقة الشيعية الضالّة عبر التاريخ على بتر النصوص وتحريف الأقوال ونسبتها إلى أئمة أهل السنة والجماعة؛ في محاولة لإظهار علماء الأمة بمظهر المتناقض أو المنحرف، حتى يبرّروا لأنفسهم عقائدهم الفاسدة المبنية على الأساطير والأحاديث الموضوعة. ومن أمثلة ذلك: استدلال بعض الشيعة بقول منسوب إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله حول “استئجار المرأة للزنا”، وزعمهم أنه لا يعدّه زنا ولا يقام فيه الحد. وهذه الشبهة -كغيرها من شبهاتهم العقدية والفقهية- مبنية على الجهل أو التدليس، إذ إن قول أبي حنيفة ليس إثباتًا لجواز الفعل، ولا نفيًا لكونه زنا، بل هو اجتهاد فقهي في إسقاط الحد لشبهة العقد، مع بقاء الفعل محرّمًا وكبيرة من كبائر الذنوب.
هذه المقالة تأتي لكشف التدليس، وبيان حقيقة القول، وذكر النصوص الأصلية من كتب الحنفية، وبيان إجماع الأمة على حرمة الفعل وأنه كبيرة تستوجب التعزير في الدنيا والتوبة في الآخرة، مع الإشارة إلى اتفاق جمهور الفقهاء -خلافًا لأبي حنيفة وحده- على إقامة الحد على المستأجر والمستأجرة.
الشبهة:
قال أبو محمد رحمه الله (يعني أبو حنيفة): قد ذهب الى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا الا ما دان مطارقة واما ما كان فيه عطاء او استئجار فليس زنا ولا حد فيه.
الرد:
أبو حنيفة رحمه الله تعريفه دقيق في هذي المسائل ويرى فيه التعزير.. وفي هذي المسألة الرأي فيها شاذ حتى مشايخ الحنيفة يرون انها زنا.
السُّؤَالُ:
هل حكم بائعة الهوى يختلف عن حكم الزانية للشهوة؟ وما حكمها في الدنيا والآخرة؟
[الفَتْوَى]:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجماهير من العلماء على أنه لا فرق بين من زنت بأجرة ومن زنت لشهوة بدون أجرة وأن الإثم والحد عليهما.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة المستأجرة للزنا آثمة ولا شك؛ ولكن يسقط الحد بسبب الشبهة، قال الإمام السرخسي الحنفي في المبسوط 9/59: (قال) رجل استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها فلا حد عليهما في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى: عليهما الحد لتحقق فعل الزنا منهما، فإن الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البضع شرعا فكان لغوا؛ بمنزلة ما لو استأجرها للطبخ أو الخبز ثم زنى بها، وهذا لأن محل الاستئجار منفعة لها حكم المالية والمستوفى بالوطء في حكم العتق وهو ليس بمال أصلا والعقد بدون محله لا ينعقد أصلا، فإذا لم ينعقد به كان هو والإذن سواء... الخ
وعموما فليس بين العلماء خلاف فيما نعلم في إثم الزنا بأجرة، وإنما الخلاف في الحد فقط، والجمهور من أهل العلم على أنهما فيه سواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426
فتاوى الشبكة الاسلامية جزء 16 صفحة 319
قَالَ: (وَلَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا وَزَنَا بِهَا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ لَاطَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ)
الاختيار لتعليل المختار جزء 4 صفحة 90 لمجد الدين الحنفي...
[اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا]
(قَالَ) رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لِتَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا.
المبسوط للسرخسي الحنفي جزء 9 صفحة 58
(بَاب إِذا اسْتَأْجر امْرَأَة ليطأها لَا تحل لَهُ، وَهُوَ زاني يلقى الله تَعَالَى بكبيرة الزِّنَا إِن لم يتب)
وَلَكِن يسْقط الْحَد عَنهُ للشُّبْهَة، لِأَن الْأُجْرَة وَالْمهْر عبارتان عَن معنى وَاحِد. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وآتوهن أُجُورهنَّ﴾ أَي مهورهن. فَوجدت شُبْهَة النِّكَاح، وَامْتنع الْحَد لأَجلهَا.
وَقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]: " ادرؤوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم. فَإِن كَانَ لَهُ مخرج فَخلوا سَبيله، فَإِن الإِمَام أَن يُخطئ فِي الْعَفو خير من أَن يُخطئ فِي الْعقُوبَة ".
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب جزء 2 صفحة 741 لجمال الدين الحنفي
[1711] مسألة: إذا استأجر امرأة على أن يزني بها فوطئها فعليه الحد، وقال أبو حنيفة: لا حد عليه؛ فدليلنا أنه وطء محرم بدواعيه غير مختلف فيه، فإذا تعمّده مع العلم بتحريمه وانتفاء سبب الإباحة لزمه الحد، أصله إذا استأجرها لتخبز له أو تطبخ فوطئها.
الاشراف على نكت مسائل الخلاف جزء 2 صفحة 870 للقاضي أبو محمد المالكي
والمحرَّم قال:
«كالزنا» لو استأجر امرأة ليزني بها فالإجارة باطلة وغير صحيحة وحرام؛ لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2] وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مهر البغي خبيث»[1] فلا تبيح الإجارة الزنا، وليست شبهة ـ أيضاً ـ في إسقاط الحد كما زعمه بعض العلماء، فبعض العلماء قال: إذا أراد أن يزني بامرأة وخاف أن يقام عليه الحد فليستأجرها، لكن لا شك أن هذا القول من أبطل الأقوال، ولا تحل المرأة بذلك، وهنا قاعدة جب أن تعلم وهي «كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره» فمثلاً البيع الفاسد لا يملك المشتري السلعةَ ولا البائعُ الثمنَ، وكذلك لو استأجر امرأة يزني بها فإنه لا يستبيح بذلك فرجها؛ لأن الإجارة فاسدة، ولأن الزنا محرم بالنص والإجماع.
[1] الشرح الممتع على زاد المستقنع جزء 10 صفحة 16 لابن عثيمين الحنبلي