من أكثر الشبهات التي يثيرها الرافضة - وهم فرقة ضالّة ليست من الإسلام في شيء - اعتراضهم على أهل السنة والجماعة لأنهم يجيزون رواية الحديث النبوي بالمعنى، زاعمين أن هذا دليل ضعف في منهج الحديث عند أهل السنة.
وهذا الادعاء ليس إلا استمرارًا لمنهج هذه الفرقة في وضع الأحاديث الباطلة والمصنوعة لخدمة عقائدهم الفاسدة التي لم يعرفها الإسلام عبر القرون الأولى؛ كالطعن في الصحابة، والغلو في الأئمة، والقول بالعصمة، وتحريف القرآن، واستحلال الكذب.

ورغم أن أهل السنة يجيزون الرواية بالمعنى بضوابط صارمة تمنع تحريف كلام النبي ﷺ، إلا أن الرافضة يتجاهلون عمدًا أن كتبهم هم أنفسهم تنص على جواز نقل الحديث بالمعنى، بل وتجيزه نصوص صريحة عن أئمتهم المزعومين!

وفي هذا المقال نكشف زيف الشبهة، ونبيّن بالدليل القاطع أن رواية الحديث بالمعنى ثابتة عند السلف، ومشروعة بالضوابط، كما أنها ثابتة أيضًا في كتب الرافضة أنفسهم، مما يجعل اعتراضهم مجرد تناقض مكشوف لا قيمة له.

يعترض بعض الرافضة على أهل السنة لأنهم يجيزون رواية الحديث النبوي الشريف بالمعنى.

اقول:

إن هذا الاعتراض باطل، وضعيف، ولا يصح، وذلك لأن رواية الحديث بالمعنى تحت ضوابط، وقواعد تجعل الراوي لا يغير معنى كلام النبي صلى الله عليه واله وسلم لا حرج فيه، وقد ورد هذا على لسان ائمة أهل السنة.

قال الإمام الخطيب:

" أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، ح وَأَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّاقِدُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مَعْنٌ، ح وَأَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا مَعَنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: " إذا حَدَّثْنَاكُمْ - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: إذا جِئْنَاكُمْ - بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ فَحَسْبُكُمْ.......................... أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، ثنا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسَى إن نَكُونَ عَشْرَةَ نَفَرٍ نَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَمَا مِنَّا اثْنَانِ يُؤَدِّيَانِهِ عَلَى حَرْفٍ، غَيْرَ إن الْمَعْنَى وَاحِدٌ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ، ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَدِّهِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا بُنَيَّ: «إِنَّهُ يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَكْتُبُ عَنِّي الْحَدِيثَ ثُمَّ تَعُودُ فَتَكْتُبُهُ» فَقُلْتُ لَهَا: أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَالَتْ: هَلْ تَسْمَعُ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ "

 الكفاية في علم الرواية - بَابُ ذِكْرِ مَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى إجازة الرِّوَايَةِ عَلَى الْمَعْنَى مِنَ السَّلَفِ، وَسِيَاقِ بَعْضِ أَخْبَارِهِمْ فِي ذَلِكَ – ص 204 - 205

والاثار في إجازة الحديث بالمعنى كثيرة جدا، فأكتفي بهذا القدر، ومن شاء فليرجع الى كتاب الكفاية لابي بكر الخطيب، وغيره من كتب علم الحديث.

ولقد ذكر العلماء ضوابط الحديث بالمعنى، قال الإمام النووي:

 "فصل إذا أراد رواية الحديث بالمعنى فان لم يكن خبيرا بالألفاظ ومقاصدها عالما بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف بين أهل العلم بل يتعين اللفظ وإن كان عالما بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول لا يجوز مطلقا وجوزه بعضهم في غير حديث النبى صلى الله عليه و سلم ولم يجوزه فيه وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف المذكورة يجوز في الجميع إذا جزم بأنه أدى المعنى وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم رضى الله عنهم في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة ثم هذا في الذي يسمعه في غير المصنفات أما المصنفات فلا يجوز تغييرها بالمعنى إذا وقع في الرواية "

شرح صحيح مسلم – يحيى بن شرف النووي - ج 1 ص 36

وقال الإمام ابن قدامة:

 " فصل: [في حكم رواية الحديث بالمعنى]

وتجوز رواية الحديث بالمعنى للعالم المفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر، والعام والأعم عند الجمهور.

فيبدل لفظًا مكان لفظ فيما لا يختلف الناس فيه: كالألفاظ المترادفة.

مثل: القعود والجلوس، والصب والإراقة، والحظر والتحريم، والمعرفة والعلم، وسائر ما لا يشك فيه، ولا يتطرق إليه الاستنباط والفهم.

ولا يجوز إلا فيما فهمه قطعًا، دون ما فهمه بنوع استنباط، واستدلال يُختلف فيه.

ولا يجوز -أيضًا- للجاهل بمواقع الخطاب، ودقائق الألفاظ "

روضة الناظر وجنة المناظر - أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي – ج 1 ص 360 – 361

ولقد ورد في كتب الرافضة جواز رواية الحديث بالمعنى، قال الكليني:

 "مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْكَ فَأَزِيدُ وَأَنْقُصُ قَالَ إن كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيَهُ فَلَا بَأْسَ "

الكافي – الكليني - ج 1 ص 51، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 1 ص 174

وقال أحد علماء الرافضة وهو جمال الدين بن الشهيد الثاني:

 " أصل يجوز نقل الحديث بالمعنى بشرط إن يكون الناقل عارفا بمواقع الألفاظ وعدم قصور الترجمة عن الأصل في إفادة المعنى ومساواتها له في الجلاء والخفاء. ولم نقف على مخالف في ذلك من الأصحاب. نعم لبعض أهل الخلاف فيه خلاف وليس له دليل يعتد به. وحجتنا على الجواز وجوه: منها: ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله، عليه السلام: أسمع الحديث منك، فأزيد وأنقص. قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس.

ومنها: إن الله سبحانه قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة.

 ومن المعلوم: إن تلك القصة وقعت إما بغير العربية، أو بعبارة واحدة منها وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل وإن تغاير اللفظ "

معالم الدين وملاذ المجتهدين – جمال الدين الحسن ابن الشهيد الثاني - ص 212 – 213