يتعرض التاريخ الإسلامي لمعركة فكرية بين الحق والباطل، ومن أبرز الأمثلة على ذلك محاولات بعض فرق الضلال، خصوصًا الشيعة، زرع الشبهات حول صحابة النبي ﷺ وخاصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. يسعى هؤلاء إلى نسب أحاديث باطلة أو تحريف الوقائع التاريخية بهدف إضعاف الموروث النبوي وخلق بدع مخالفة لدين الله. هذا المقال يكشف الحقيقة، موضحًا أقوال الإمام ابن حجر رحمه الله حول الناصبة والخوارج، ويبين الفرق بين الناصبة الذين كانوا صادقين في دينهم، وبين الروافض الذين تبنوا الكذب كجزء من عقيدتهم.
أولًا: الشبهة المثارَة:
يشير بعض المغالطين إلى أن وصف من يوصف بالنصب بأنه صادق أمر مستحيل، زاعمين أن جميع أتباع علي رضي الله عنه من أهل البدع والكذب، مستندين إلى تحريف تاريخي ومغالطات في علم الرجال.
ثانيًا: قول ابن حجر رحمه الله
يقول ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (ج 8 ص 458):
"وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غاليًا وتوهينهم الشيعة مطلقًا، ولا سيما أن عليًا ورد في حقه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق. ثم ظهر لي أن البغض هنا مقيد بسبب وهو كونه نصر النبي ﷺ، لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، والحب بعكسه، وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالبًا.
والخبر في حب علي وبغضه ليس على العموم فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو أنه إله تعالى الله عن إفكهم والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار وأجاب عنه العلماء: أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه وبالعكس فكذا يقال في حق علي وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الإخبار والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان أو كان أعان عليه فكان بغضهم له ديانة بزعمهم ثم انضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي.
وأما أكثر من يوصف بالنصب، فهو مشهور بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الإخبار."
ثالثًا: تفسير كلام ابن حجر رحمه الله
◘ المقصود بـ"أكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورًا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة" هم الخوارج الذين قاتلوا الإمام علي رضي الله عنه في النهروان.
◘ السبب في ذلك أن هؤلاء كانوا يرون أن الكذب مخرج من الملة، وكانوا يتورعون عن الكذب وعن ارتكاب الذنوب الكبيرة، خوفًا من أن يكون خارجًا عن الدين يوم القيامة، بعكس الروافض الذين من أصول دينهم الكذب والخداع.
◘ البغض والحب تجاه علي رضي الله عنه مرتبط بسياق النصر والقتال وليس مطلقًا، فقد أحبّه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو إله، وهذا من دعاوى المخالفين.
رابعًا: الفرق بين الناصبة والخوارج والروافض
|
الفريق |
الصفات |
طبيعة التعامل مع الكذب |
|
الناصبة والخوارج |
صادقون في الدين، ملتزمون بالعبادات، يتورعون عن الكذب |
يرون أن الكذب مخرج من الملة |
|
الروافض |
كثير من الكذب، يتورعون قليلًا أو لا يتورعون |
الكذب جزء من عقيدتهم، لا يعتبرون الكذب خروجًا من الدين |
خامسًا: الرد على الشبهة
◘ الشبهة التي يطرحها الشيعة حول نسبية صحة الناصبة أو وصفهم بالصدق مردودة، لأن ابن حجر يوضح أن هؤلاء كانوا ملتزمين وصادقين في أمور الدين رغم عداوتهم لعلي رضي الله عنه، وأن وصفهم بالصدق ليس مخالفة للحق بل نتيجة تحليل علمي لتاريخهم وسلوكهم.
· بخلاف الروافض، الذين اعتمدوا الكذب كأساس في العقيدة، وهذا ما يجعل رواياتهم ومعتقداتهم محل نظر وتحفظ دائمًا.
المصادر:
1) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ج8 ص458، دار المعرفة، بيروت.
2) شرح تهذيب التهذيب، الحافظ العراقي، تحقيق: دار الكتب العلمية، بيروت.
3) مكانة الصحيحين والدفاع عن صحيح مسلم، د. أبو عمر عبد العزيز العتيبي، شركة غراس، الكويت، 1427هـ.
4) الميزان في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت.