لقد أصبح من الطرائق المعتادة عند الفرقة الشيعية الضالّة نشر الروايات المكذوبة والأحاديث الباطلة، ونسبتها زورًا إلى علماء أهل السنة والجماعة، بهدف التشويش على الأمة الإسلامية وتشويه علماءها. ومن ذلك ما زعموه عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، بأنّه قضى سنتين يتعلم عند الإمام جعفر الصادق، وزعموا أنّ هذا القول دليل على صحة مذهبهم أو اتصال أبي حنيفة بمصادرهم. وهذه الرواية بلا سند ولا أصل، ولا تعدو أن تكون كذبًا وافتراءً على الإمام أبو حنيفة رحمه الله.
المقال يهدف إلى بيان حقيقة هذه الشبهة، وتصحيح ما ورد عن الشيعة من روايات مضللة، مع عرض الأدلة الصحيحة على أن أبي حنيفة لم يتعلم عند جعفر الصادق، وأن مسار تعلمه كان عن علماء عصره الأوائل، وفق ما ذكره ابن تيمية رحمه الله.
الشبهة والرد عليها:
الشبهة: زعم بعض الشيعة أن الإمام أبي حنيفة قضى سنتين يتعلم عند جعفر الصادق رضي الله عنه، وزعموا أن هذا الأمر يؤثر في مذهب الإمام أو يثبت اتصالًا مع رواياتهم.
الرد:
◘ هذه الرواية لا أصل لها، ولا سند، ولا يعتد بها عند أهل العلم وقد زعم الرافضة أن أبا حنيفة قضى سنتين يتعلم عند جعفر ابن محمد. وهذا من الكذب. ولا نعتبر ذلك إهانة لأبي حنيفة، بل الأصل هو الإتيان لأي رواية بسند صحيح. وهذه الرواية لا سند لها أصلا حتى ننظر في صحته.
جل ما قالوا: أنظر التحفة الإثني عشرية. يقصدون الكتاب الذي ألفه الآلوسي في القرن الماضي وهذا يعني أن بينه وبين أبي حنيفة ما يزيد على اثني عشر قرنا. فهل هناك رواة على مدى هذه القرون بين الآلوسي وبين أبي حنيفة؟؟
◘ ابن تيمية رحمه الله صرح بأن:
(هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم، فإن أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق، توفي الصادق سنة ثمان وأربعين، وتوفي أبو حنيفة سنة خمسين ومائة، وكان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق، وما يعرف أن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق أو عن أبيه مسألة واحدة، بل أخذ عن من كان أسن منهما كعطاء بن أبي رباح وشيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان، وجعفر بن محمد كان بالمدينة[1]).
◘ كما ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى: مسار تعلم الأئمة الأربعة كان متسقًا مع منهج أهل الحديث، وأبو حنيفة أخذ العلم عن أساتذته المعروفين وليس عن جعفر الصادق أو أبيه.
◘ الاعتماد على التحفة الإثني عشرية للآلوسي لا يمكن أن يكون سندًا معتبرًا، إذ يفصل بين المؤلف وأحداث عصر أبي حنيفة أكثر من 12 قرنًا، فلا يمكن أن يُنقل عنه رواية صحيحة عن الإمام.
أضاف ابن تيمية في مجموع فتاويه ما نصه:
«أما مالك فان علمه عن أهل المدينة، وأهل المدينة أخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد وعمر وابن عمر ونحوهم. أما الشافعي فانه تفقه أولا على المكيين أصحاب ابن جريج كسعيد بن سالم القداح ومسلم بن خالد الزنجي وابن جريج أخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء وغيره. أما الشافعي فقد أخذ عن مالك ثم كتب كتب أهل العراق وأخذ مذاهب أهل الحديث واختار لنفسه. وأما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان وحماد عن إبراهيم وإبراهيم عن علقمة وعلقمة عن ابن مسعود و قد اخذ أبو حنيفة عن عطاء وغيره. وأما الإمام احمد فكان على مذهب أهل الحديث اخذ عن ابن عيينة وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر واخذ عن هشام بن بشير وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي واخذ عن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأمثالهما وجالس الشافعي واخذ عن أبي يوسف واختار لنفسه قولا وكذلك إسحاق بن راهويه وأبو عبيد ونحوهم»
(مجموع الفتاوى٣٨٩/٧).
مصادر التعلم لأبي حنيفة:
◘ حماد بن أبي سليمان.
◘ إبراهيم بن عبد الله.
◘ علقمة بن قيس.
◘ عطاء بن أبي رباح.
◘ ابن مسعود رضي الله عنهم.
ولم يُثبت عنه التعلم عند جعفر الصادق أو أبيه، كما هو واضح من كتب أهل السنة.
خاتمة:
يتضح أن الرواية المنسوبة إلى أبي حنيفة حول قضائه سنتين عند جعفر الصادق باطلة وموضوعها ملفق، وأن الاعتماد عليها للتقليل من شأن الإمام أو لتبرير مزاعم الشيعة لا أساس له. ومسار تعلم أبي حنيفة معروف ومتثبت عن أساتذته، وهو دليل على الالتزام بالمنهج العلمي الصحيح في نقل العلم.
وعليه، فإن كل من يسعى لتصحيح التاريخ الفقهي لأهل السنة يجب أن يعتمد على الروايات الصحيحة والسند المتصل، وأن يتجنب الانجرار وراء الروايات المكذوبة التي تروجها الفرقة الشيعية الضالّة.
المراجع:
◘ ابن تيمية، منهاج السنة النبوية 7/390.
◘ ابن تيمية، مجموع الفتاوى 7/389.
◘ التحفة الإثني عشرية – الآلوسي.
[1] (منهاج السنة النبوية٣٩٠/٧).