إن مسألة رؤية الله عز وجل في الآخرة من المسائل التي خالف فيها أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة أهلَ السنة والجماعة، فأنكروا رؤية الله بحجج عقلية مردودة، وتأويلات للنصوص تخالف ظاهرها ومقصودها.

غير أن المتأمل في القرآن الكريم يجد أن نبي الله موسى عليه السلام كليم الله وأعلم أهل زمانه بالله قد سأل ربه أن يريه، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، فهل يُعقل أن يطلب نبي الله ما هو محال في ذاته؟ وهل الجهمية أحرص على التوحيد وأعلم بالله من موسى عليه السلام؟

ثم لماذا لم يُنكر الله عليه هذا الطلب كما أنكر على نوح عليه السلام لما سأل نجاة ابنه؟ بل بيّن له أن الرؤية ممكنة مشروطة باستقرار الجبل، فلما تجلى الله للجبل وجعله دكًا، دل ذلك على أن الله يُرى، لكن موسى لم يتحمل، فصُعق. ثم جاء الوعد الحق للمؤمنين في الآخرة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.

فهل يُتجلى الله لجبل لا ثواب له ولا حساب، ويُحرم عباده المؤمنين في الجنة من أعظم النعيم: النظر إلى وجه الله الكريم؟

 قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}

هل يظن بكليم الله ورسوله ان يسأل الله عز وجل مالا يجوز عليه؟

هل الجهمية اعلم من موسى عليه السلام بالله عز وجل؟

لماذا الله عز وجل لم ينكر على موسى عليه السلام هذا السؤال كما أنكر على نوح لما سأله نجاة ابنه، قال تعالى: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) }

لماذا الله عز وجل قال لن تراني ولم يقل أنى لا اُرى او لست بمرئي؟

كيف الله عز وجل يتجلى للجبل الذي ليس عليه ثواب وعقاب ولا يتجلى للمؤمنين في الجنة؟