يُعَدُّ الالتزام بفهم نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية على ظاهرها من أعظم أصول العقيدة الصحيحة، وخاصة في باب الصفات الإلهية التي لا مجال فيها للاجتهاد العقلي أو التحريف اللغوي.
فقد جاء الوحي بلسان عربي مبين، مما يوجب على المسلم أن يتلقى هذه النصوص بالقبول والإيمان دون تأويل يخرجها عن ظاهرها إلا بدليل شرعي صحيح.
وهذا المنهج هو سبيل أهل السنة والجماعة، وهو الذي يحفظ للأمة وحدتها ويصونها من الانحراف العقدي الذي وقع فيه من حَرَّف النصوص عن مواضعها.
قال الامام ابن عبد البر:
" أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ " اهـ
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – أبو عمر يوسف بن عبد الله عبد البر - ج 7 ص 145
وقال: " وَمِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْأَشْهَرِ وَالْأَظْهَرِ مِنْ وُجُوهِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ وَلَوْ سَاغَ ادِّعَاءُ الْمَجَازِ لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْءٌ مِنَ الْعِبَارَاتِ وَجَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ إِلَّا بِمَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ فِي مَعْهُودٍ مُخَاطَبَاتِهَا مِمَّا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ وَمَفْهُومٌ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِقْرَارُ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ " اهـ
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – أبو عمر يوسف بن عبد الله عبد البر - ج 7 ص 131
وقال الامام الذهبي بعد ان نقل كلام ابن عبد البر:
" 573 - وَقَالَ أَيْضا أهل السّنة مجمعون على الْإِقْرَار بِالصِّفَاتِ الورادة فِي الْكتاب وَالسّنة وَحملهَا على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز إِلَّا أَنهم لم يكيفوا شَيْئا من ذَلِك وَأما الْجَهْمِية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها وَلَا يحمل مِنْهَا شَيْئا على الْحَقِيقَة ويزعمون أَن من أقرّ بهَا مشبه وهم عِنْد من أقرّ بهَا نافون للمعبود [1] وَأَن يشابه الْمَعْدُوم كَمَا نقل عَن حَمَّاد بن زيد أَنه قَالَ مثل الْجَهْمِية كقوم قَالُوا فِي دَارنَا نَخْلَة قيل لَهَا سعف قَالُوا لَا قيل فلهَا كرب قَالُوا لَا قيل لَهَا رطب وقنو قَالُوا لَا قيل فلهَا سَاق قَالُوا لَا قيل فَمَا فِي داركم نَخْلَة.
قلت: كَذَلِك هَؤُلَاءِ النفاة قَالُوا إلهنا الله تَعَالَى وَهُوَ لَا فِي زمَان وَلَا فِي مَكَان وَلَا يرى وَلَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يرضى وَلَا يغْضب وَلَا يُرِيد وَلَا وَقَالُوا سُبْحَانَ المنزه عَن الصِّفَات بل نقُول سُبْحَانَ الله الْعلي الْعَظِيم السَّمِيع الْبَصِير المريد الَّذِي كلم مُوسَى تكليماً وَاتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَيرى فِي الْآخِرَة المتصف بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَوَصفه بِهِ رسله المنزه عَن سمات المخلوقين وَعَن جحد الجاحدين {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
وَلَقَد كَانَ أَبُو عمر بن عبد الْبر من بحور الْعلم وَمن أَئِمَّة الْأَثر قل أَن ترى الْعُيُون مثله وَكَانَ عالي الْإِسْنَاد لَقِي أَصْحَاب ابْن الْأَعرَابِي وَإِسْمَاعِيل الصفار وروى المصنفات الْكِبَار واشتهر فَضله فِي الأقطار مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن سِتَّة وَتِسْعين سنة " اهـ
العلو للعلي الغفار – محمد بن احمد الذهبي - ج 1 ص 250
وقال الامام ابو الحسن: " الإجماع الخامس
وأجمعوا على أن صفته عز و جل لا تشبه صفات المحدثين كما أن نفسه لا تشبه أنفس المخلوقين واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن له عز و جل هذه الصفات لم يكن موصوفا بشيء منها في الحقيقة من قبل أن من ليس له حياة لا يكون حيا ومن لم يكن له علم لا يكون عالما في الحقيقة ومن لم يكن له قدرة فليس بقادر في الحقيقة وكذلك الحال في سائر الصفات ألا ترى من لم يكن له فعل لم يكن فاعلا في الحقيقة ومن لم يكن له إحسان لم يكن محسنا ومن لم يكن له كلام لم يكن متكلما في الحقيقة ومن لم يكن له إرادة لم يكن في الحقيقة مريدا وان من وصف بشيء من ذلك مع عدم الصفات التي توجب هذه الأوصاف له لا يكون مستحقا لذلك في الحقيقة وإنما يكون وصفه مجازا او كذبا ألا ترى أن وصف الله عز و جل للجدار بأنه يريد أن ينقض لما لم يكن له إرادة في الحقيقة كان مجازا وذلك أن هذه الأوصاف مشتقة من أخص أسماء هذه الصفات ودالة عليها فمتى لم توجد هذه الصفات التي وصف بها كان وصفه بذلك تلقيبا أو كذبا فإذا كان الله عز و جل موصوفا بجميع هذه الأوصاف في صفة الحقيقة وجب إثبات الصفات التي اوجبت هذه الأوصاف له في الحقيقة " اهـ
رسالة إلى أهل الثغر – ابو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري - ج 1 ص 216 – 217
[1] صدق وَالله فَإِن من تَأَول سَائِر الصِّفَات وَحمل مَا ورد مِنْهَا على مجَاز الْكَلَام أَدَّاهُ ذَلِك السَّلب إِلَى تَعْطِيل الرب