لقد بين القرآن الكريم بوضوح أن المشركين الأوائل لم يكونوا ينكرون وجود الله أو أنه الخالق الرازق، بل كانت مشكلتهم الكبرى في صرفهم أنواعًا من العبادة لغيره سبحانه، بحجة أن هؤلاء المعبودات — من أصنام أو تماثيل أو أشخاص صالحين — ستشفع لهم عند الله وتقربهم منه. وقد أكد القرآن أن هذا الاعتقاد باطل وأن الدعاء عبادة لا تصرف إلا لله وحده، وأن من دعا غير الله فقد عبد غير الله، ولو كان قصده الشفاعة أو الوسيلة. ومن خلال آيات عديدة وأقوال كبار العلماء من المفسرين والمحدثين يتضح أن دعاء الصالحين والأولياء وطلب الشفاعة منهم هو في حقيقته عبادة لهم، وأن هذا هو نفس اعتقاد المشركين الذين بعث الله الرسل لتصحيحه.
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر3:].
﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأحقاف: 28].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ﴾ [يونس:18].
﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء﴾ [الأنعام: 94]
وأنتم ما تدعونهم إلا ليقربوكم إلى الله زلفى:
قل لي يا حضرة الأستاذ: ما ندعوهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
مقالات السقيفة ذات صلة:
الشرك في توحيد الربوبية عند الشيعة الإمامية
الرد على أصل التوحيد عند الأشاعرة ….
مظاهر الشرك في العقيدة الشيعية وأثرها على التوحيد
لكن الدعاء عبادة فيصير قولك ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
الأنبياء كانوا يشهدون أن قومهم يدعون الصالحين ثم يشهدون عليهم أن دعائهم لهم عبادة لهم.
﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون﴾ [الشعراء72].
ثم عقب بعد ذلك بقوله:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ فقال لهم أولا ﴿تَدْعُونَ﴾ ثم قال ﴿تَعْبُدُونَ﴾. ﴿أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون﴾. ذكر القمي بأن المشركين كانوا يقولون «إن فلانا وفلانا يشفعون لنا عند الله»
(تفسير القمي2/250).
قال مير سيد علي:
«ولما اعتذر المشركون: إننا لا نعبد هؤلاء الأصنام لاعتقادنا أنها آلهة مستقلة وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل الشفاعة»
(تفسير مقتنيات الدرر9/217).
قال المجلسي:
«فلا يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به.. والمشهور أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله»
(بحار الأنوار64/136).
قال مير سيد علي الحائري:
«واعتذروا له (يعني قريش لمحمد) «إنا لا نعبد هؤلاء الأصنام لاعتقاد أنها آلهة مستقلة وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل السفاعة»
(مقتنيات الدرر9/217).