تُعد مسألة البسملة من المسائل التي دار فيها خلاف مشهور بين علماء المذاهب الفقهية الأربعة، وخاصة بين الشافعية والحنابلة، سواء من جهة كونها آية من سورة الفاتحة، أو من كل سورة، أو من حيث وجوب قراءتها في الصلاة. ويتفرع عن هذا الخلاف عدد من الأحكام العملية التي تمسّ واقع التلاوة في الصلوات، وترتيب آيات السور، ومدى اعتبار البسملة من القرآن أو آية فاصلة فقط. هذا النقاش لم يكن مجرّد اجتهاد فقهي، بل له أصول قوية في النصوص، ومراعاة للرسم العثماني، وأقوال الصحابة، وتواتر القراءات. في هذا المقال نعرض بإيجاز موقفي الحنابلة والشافعية، مدعومَين بأقوال أئمة المذهبَين، ونوضح وجهة نظر كل منهما في حكم البسملة ومكانتها ضمن الفاتحة وباقي السور.
مذهب الحنابلة في البسملة:
قوله: «وليست من الفاتحة» الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنه اجتهاد ـ بلا شك ـ مستندٌ إلى توقيف؛ لأننا نعلم أنه لو نزلت البسملة بين الأنفال وبراءة لوجب بقاؤها؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] فلمَّا لم يكن، عُلِمَ أن اجتهاد الصَّحابة كان موافقاً للواقع.
والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي... »
(أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (395) (38)) الحديث.
الشرح الممتع على زاد المستقنع جزء 3 صفحة 57
فإن قال قائل: إذا قلتم ذلك فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف:
أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟
فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم (2): أنَّ البسملة آية من الفاتحة. ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة.
الشرح الممتع على زاد المستقنع جزء 3 صفحة 59 للامام ابن عثيمين
من مختارات السقيفة: |
¨ شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل
¨ موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس
¨ نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
¨ روايات الشيعة التي تنقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
س54: هل البسملة آية من الفاتحة، أو أية من أول كل سورة؟
الجواب: اتفق العلماء على أن البسملة آية من سورة النمل وهي قوله تعالى ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وكذلك ليست هي آية بين سورتي الأنفال والتوبة.
والراجح من أقوال أهل العلم كذلك أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أول كل سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال حمدني عبدي، وإذا قال ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فإذا قال ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي)، وهنا لم يذكر البسملة، ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (أن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك)، وبناءً على هذا فهي يؤتى بها لإبتداء السور، يدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى نزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم).
مذكرة القول الراجح جزء 1 صفحة 79 لخالد بن ابراهيم الصقعبي
[فَصْلٌ الْبَسْمَلَة هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَة يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا]
(669) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ؛ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا؟ فَعَنْهُ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ تَرَكَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ:
هِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَاقْرَءُوا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَإِنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ، وَإِنَّهَاالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنْهَا». وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَثْبَتُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ بِخَطِّهَا، وَلَمْ يُثْبِتُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ سِوَى الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَا آيَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا، فَقِيلَ عَنْهُ:
هِيَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ كَانَتْ تَنْزِلُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ، فَصْلًا بَيْنَ السُّوَرِ. وَعَنْهُ: إنَّمَا هِيَ بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " إلَّا فِي سُورَةِ ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: 30].
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
المغني لابن قدامة جزء 1 صفحة 346
الشافعية:
[فرع قراءة البسملة]
ويجب أن يبتدئها بـ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 1] وهي آية منها، بلا خلاف على المذهب.
وهل هي آية من أول كل سورة غير براءة؟
الظاهر من المذهب: أنها آية من أول كل سورة غير براءة؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أثبتوها في أول كل سورة غير براءة، ولم يثبتوا بين الدفتين غير القرآن.
البيان في مذهب الامام الشافعي جزء 2 صفحة 182