مسألة البسملة وتحديد موقعها من سور القرآن الكريم، وبالأخص سورة الفاتحة، من القضايا التي أثارت خلافًا مشهورًا بين الفقهاء، ليس في أصل وجودها، وإنما في حكمها القرآني: هل هي آية من الفاتحة؟ هل تُعد من كل سورة؟ هل يُجهر بها؟ ومتى تُقرأ؟

يتناول هذا المقال بالتفصيل موقف المالكية من هذه القضية، مستعرضًا أقوالهم، أدلتهم النقلية والعقلية، وردودهم على مخالفيهم من الشافعية وغيرهم. ويُظهر المقال كيف أن المالكية استندوا إلى قواعد دقيقة في ضبط مفهوم القرآن المتواتر وتمييزه عن ما نُقل آحادًا أو اجتهادًا، كما أنهم اعتمدوا على سياق المصاحف العثمانية، والقراءات، وأحاديث نبوية، في نفي كون البسملة آية من الفاتحة أو من أوائل السور، مما يبرز عمق المنهج النقدي لديهم في باب القرآن وتفسيره.

المالكية:

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما بسم الله الرحمن الرحيم فإن القول فيها هل هي قرآن أم لا؟ يتسع. ولكن نقتصر لك علي اللباب ونبوح لك بالأسرار.

 فنقول: أول ما يجب أن يقدم: الاهتمام بالنظر في الانفصال عن معارضة قد تلتبس (6) هنا على من لا يستبحر في الحقائق: بأن يقول قائل من الطاعنين في الشرع: القرآن معجزته عليه السلام وقاعدة الإِسلام، فكيف اختلف الأئمة المقتدى بهم في أمصار المسلمين في كون البسملة قرآنًا؟ وإذا كانت عند الشافعي قرءانا فهلا كفر مالكًا وأبا حنيفة في مخالفتهما له في ذلك كما يكفر هو وغيره من خالف في كون الحمد لله رب العالمين من القرآن؟ قيل لم يثبتها الشافعي قرآنًا على حسب ما أثبت غيرها. وإنما أثبتها حكمًا وعملًا لا دلالة اقتضت ذلك عنده سنوردها عليك. فإثبات الشيء قرآنًا قطعًا ويقينًا حتى يُكفر من خالفه إنما يحصل بالنقل المتواتر الموجب للعلم الضروري الذي لا يمكن فيه اختلاف ولا امتراء. ككون بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن في أثناء سورة النمل. وأما إثبات تعلق الأحكام بما اقتضاه مضمون ما نقل منه آحادًا كقراءة من قرأ في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات ففيه اضطراب بين أهل الأصول (1)، هل يجب التتابع ويكون هذا كخبر واحد ورد بإيجابه أو لا يجب؛ وهذا يستقصى في كتب الأصول.

من مختارات السقيفة:

¨   شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل

¨   موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس

¨   نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب

¨   روايات الشيعة التي تنقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم

¨   كل راية قبل القائم طاغوت

¨   من هم الشيعة الاثنا عشرية؟

¨   موقف أهل البيت من الصديق

¨   معنى الرجعة عند الامامية

وأما إثبات مرتبة ثالثة تنخفض عن الأولى القطعية المُكفّر مخالفها، وترتفع عن هذا القسم الآخر الذي هو العمل بالمظنون بأن يثبت الوارد قرآنًا ويحكم -بكونه كذلك فيكتب في المصاحف ويُقرأ في المحارب عملًا بذلك كله- حكمًا (2) لا قطعًا ويقينا، يجب تكفير مخالفه، فهو (3) ما نحن فيه. وقد اختلف الناس في بسم الله الرحمن الرحيم، فأثبتها الشافعي آية من أم القرآن.

وقد اختلف الناس في بسم الله الرحمن الرحيم، فأثبتها الشافعي آية من أم القرآن.

واختلف قوله في إثباتها آية في غيرها من السور ولم يحك عن أحد من السلف إثباتها فيما سوى أم القرآن. ويتبين من عندهم الآي سوى الشافعي وابن المبارك.

وذهب مالك وأبو حنيفة وداود إلى أنها ليست من القرآن في افتتاح شيء من السور أم القرآن أو غيرها. وذكر عن أصحاب أبي حنيفة أن التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور والتبرك بها للابتداء. وإن هذا قول عدل من الأقوال.

واعلم أن ها هنا معان قد تتعارض في الظاهر فمنها ينشأ الخلاف. أحدها أن القرآن معلوم قطعًا اعتنى الصحابة بنقله من جهة الطبيعة ومن جهة الشريعة.

فأما من جهة الطبيعة فإن في طباعهم الاعتناء بالبلاغات والاهتزاز لها والاهتمام بحفظها وتدبرها والنظر فيها. ولهذا كانت معجزتهم فصاحة بهرت عقولهم حتى انقادوا للإيمان بها مذعنين. وأما من جهة الشريعة فلكون القرآن أصل هدايتهم وينبوع أحكامهم. وحفظه وتلاوته عبادة من أجل عباداتهم وقربهم. وإذا كان هذا هكذا وجب القطع على أن ما كان من القرآن شاع فيهم وظهر ونقلوه إلينا نقل أمثاله. ولما لم ينقلوا كون البسملة قرآنًا كما نقلوا غيرها ولا ظهر ذلك فيهم كما ظهر في غيرها من الآي وجب القطع على أنها ليست من القرآن. وهذا دليل معتمد به نرد نحن والشافعي ما زاده الروافض وأمثالهم في القرآن. ونقطع على بطلان ما قالوه. فهذه عمدة مالك وأبي حنيفة.

وأما عمدة الشافعي فإنه لما رأى تحفظ السلف لما كتبوا القرآن حتى كانوا يقولون جردوا القرآن. ويكرهون النقط والتفاسير. وكانوا إنما كتبوه حسمًا لمواد الزيادة والنقصان فيه. وجب أن يكون ما اشتمل عليه قرآن. وقد اشتمل على بسم الله الرحمن الرحيم. والانفصال عن هذا أنا لم نفهم عنهم حين تسليم المصاحف إلينا أن البسملة من القرآن كما فهمنا ذلك عنهم في غيرها من الآي. وكما لم نفهم ذلك عنهم ولا فهمه الشافعي في فواتح السور *ونحن الآن نقول إن البسملة ليست من القرآن في افتتاح السور* (1) ونحن مع هذا نشير إلى المصحف فنقول هذا القرآن ونطلق هذا الإطلاق في عصرنا هذا وفي غيره من الإعصار. مع العلم بأننا ننكر كون البسملة من القرآن. فإذا صح إطلاقنا هذا مع اعتقادنا ما قلناه، صح إطلاق الأولين مع كونهم معتقدين ما اعتقدناه مع أنها في المصاحف القديمة مكتوبة بخط على حدة غير متصلة بالسور. وإفرادها بخط على حدة كالإشعار بأنها ليست من السورة. وأيضًا فإن بعض المصاحف المبعوثة إلى البصرة والكوفة ليست فيها البسملة. ولأجل هذا قرأ أبو عمرو وحمزة بترك الفصل ببسم الله الرحمن الرحيم. فإن قالوا: فإن المصاحف اختلفت في قوله ﴿هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ في سورة الحديد، ﴿مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ في سورة براءة وغير ذلك. ثم لم يدل حذف الزيادة من بعض المصاحف على أنها ليست بقرآن. فكذلك حذف البسملة من بعض المصاحف. قلنا حذف تلك الأحرف من تلك المصاحف لم يحدث اختلافا على أنها من القرآن، بل هي قرآن عند من كانت في مصحفه. ومن لم تكن عنده. والبسملة ينكر كونها قرآنا جمهور من كانت في مصحفه فضلًا عمن لم تكن في مصحفه. وأما الأخبار الواردة في هذا فقد اختلفت وحاولت كل فرقة تأويل أحاديث الفرقة الأخرى.

فاحتج أصحابنا بقول أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وهذا إن تأولوه على أن المراد به السورة من أولها. وأولها البسملة منعهم من ذلك ما أخرجه مسلم عن أنس قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان. فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول القراءة ولا في آخرها (1). وهذا إن تأولوه على أنه كان يخفيها. فإن ظاهره خلاف ذلك لأنه نفى الذكر على الإطلاق. واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. يقول العبد الحمد لله رب العالمين (2) -. والمراد بقوله قسمت الصلاة الفاتحة لأنه قد فسر المقسوم. وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ (3). أي بالقرآن في صلاتك. وقد تضمن الحديث ما يبتدىء به المصلي. فلو كان بسم الله آية منها (4) لبدأ بها.

وأجابوا عن هذا بأنه إنما حذفها لأن الثناء الذي في البسملة يتكرر في قوله الرحمن الرحيم. وأجيب عن هذا بأنه لو كان الحذف للاختصار لحذف الثاني خاصة حتى تكون البداية بالتي أنزلت بداية. وأيضًا فإنما تكرر بعض البسملة. ودليل آخر من هذا الحديث وهو أن البسملة لو كانت آية لما صح كون الفاتحة نصفين بين العبد (5) وربه كما ورد به الحديث. وأجيب عن هذا بأن المراد: نصفان من جهة العدد لا من جهة المعنى.

فالمعنى أن افتتاحها لله واختتامها للعبد. ووسطها مشترك. وهذا غير مسلم لأن ذكر القسمة والتنصيف وعد الآي يقتضي أن المراد بالحديث خلاف ما قالوه. ولا وجه لحمل القسمة والتنصيف على غير ما يقتضيه اللفظ في اللغة إلا بدليل. واستدل أصحابنا بقوله عليه السلام لأبي بن كعب أني لأرجو أن لا تخرج من باب المسجد حتى أعلمك سورة (1) -الحديث- وفيه أنه سأله كيف تقرأ في الصلاة؟ قال فقلت الحمد لله رب العالمين إلى آخرها. فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين قرأ الفاتحة. فلو كانت البسملة منها لأنكر عليه تركها حين قرأ جملة الحمد لله دونها.

وأما المخالفون فلا يجدون خبرًا صحيحا ولا سقيما يثبتون به كونها آية في سائر القرآن. بل اتفاق القراء على أن سورة الملك ثلاثون آية والكوثر ثلاث آيات. والإخلاص أربع آيات، دليل على أنها ليست من كل السور. إذ لو كانت من هذه السور لزاد عدد هذه السور على ما قلناه. ولم يقل بالزيادة على ذلك أحد. وأيضًا فإنها لو كانت من كل السور لم يحسن إثباتها بين سورة الفيل والتي بعدها. لأن قوله تعالى: ﴿فجعلهم كعصف مأكول (2) كالتعليل: ﴿لإيلاف قريش (3). ولا يحسن الفصل بين العلة والمعلول بكلام غير مناسب لهما بل كالقاطع للربط بينهما. ولكن ذكروا أخبارًا تعلقوا بها في كونها من أم القرآن.

منها أنه قرأ البسملة وعدها آية (4). ومنها أنه من ترك (5) بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله (6). وقد عد علي فيما عد من أم الكتاب ومنها أنه عليه السلام كان يقطع قراءته لبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين (1). ومنها إذا قرأتم القرآن فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وأن بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها (2).

ونسلك في الجواب عن أحاديثهم هذه ثلاثة طرق:

 أحدها: أنها أخبار آحاد والقرآن لا يثبت بإخبار الآحاد. وقد مر لنا من ذلك كفاية. وهذا جواب كاف عن جميع الأحاديث.

والجواب الثاني: مبني على طريقة من قال من أصحاب أبي حنيفة أنها آية أنزلت للفصل بين السور ولم تنزل آية من أم القرآن.

وطريقة هؤلاء في الجواب عن الأحاديث أن يقولوا الأخبار النافية مبنية على أنها ليست من نفس السورة والأخبار المثبتة محمولة على أنها أنزلت للفصل إلا ما وقع من بعض ألفاظ في بعض الأحاديث تمنع من هذا البناء. فإنهم ينكرون صحتها أو يتطلبون لها تأويلًا.

والطريقة الثالثة: النظر في عين كل حديث فقوله: عدها آية معناه في الأجر والثواب، أو عدها آية على أنها من سورة النمل. فأخذ كونها آية من هناك وبنى عليه العدد. وقوله: يقطع قراءته ليس فيه تصريح بكونها من القرآن وإنما القصد به ضرب من الحكاية. وقوله: إنها أم القرآن، وأم الكتاب والسبع المثاني ظاهره أن البسملة هي السبع المثاني، وقد علم أن البسملة ليست هي السبع المثاني، مع أن الحديث ضعيف. وقوله فقد ترك آية من كتاب الله قد يتأول عندي على أن المراد به أنها آية من سورة النمل أو كالآية في الأجر والثواب، أو آية (3) أنزلت للفصل، لو قلنا كما قال أصحاب أبي حنيفة. ولم يذكر في ماذا عُدت عليه فيكون نصًا في كونها من القرآن. وهذه التأويلات وإن خرج في بعضها عن مقتضى ظاهر اللفظ فإن ذلك مما لا يضطر إلى الرجوع إليها والتعويل عليها لما قدمناه من أن أخبار الآحاد لا مدخل لها في هذا الباب. وهو (4) الذي أغنانا أن أذكر (1) لك صحتها أو سقمها ونكشف لك عن رواتها.

والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: إنما قال القاضي أبو محمَّد سرًّا أو جهرا تنبيها على اختلاف الناس في ذلك فقد قال الشافعي السنة أن يجهر بالبسملة. وروي ذلك (2) عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة. وقال مالك في المبسوط إن جهر بها في المكتوبة فلا حرج. وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد لا يجهر بها. وروي ذلك عن علي وابن مسعود وعمار. وقال ابن أبي ليلى إن شاء جهر وإن شاء خافت.

فحجة من قال بالجهر قول نعيم بن عبد الله المجمر: صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن وقبل السورة. وكبر في الخفض والرفع وقال أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3). وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أتاني جبريل عليه السلام فعلمني الصلاة وقام فصلى بأصحابه وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" (4). وحجة من لم يقل بالجهر ما ذكر أنس أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكانوا لا يجهرون بها (5).

وعن ابن مسعود ماجهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة مكتوبة قط بالبسملة (6). وعن عبد الله بن المغفل أنه سمع ابنه يجهر بالبسملة (7) فقال: أي بني إياك والحدث في الإِسلام فإني صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر فكانوا لا يجهرون بالبسملة (7). وإذا أردت القراءة فقل الحمد لله رب العالمين (1). وأيضًا فإن التسمية مذكررة على سبيل الثناء. وسبيل الثناء المخافتة به على ما مر ذكره في التأمين.

والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: اختلف الناس في التعوذ فقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ.

 ويتعوذ من قرأ في غير صلاة إن شاء. وقال الشافعي يستحب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة. واحتج أصحاب الشافعي بقول الخدري أن النبي عليه السلام كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (2). وحجة أصحابنا ما تقدم من أنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وقال بعض أصحابنا في صفة التعوذ أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العلم. واختار الشافعية (3) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. واختاره الثوري (4) وأضاف إليه إن الله هو السميع العلم. وقال الحسن بن صالح وابن سيرين أعوذ بالسميع العلم من الشيطان الرجيم. واختاره ابن حنبل. وأضاف إليه إنه هو السميع العلم.

وحجة من أثبت هذه الزيادة قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5). وحجة الشافعية ما تقدم من حديث الخدري.

وقال بعض أشياخي إنما لم يتعوذ في الصلاة لأن افتتاحها بالتبكير يكون مطردة للشيطان. كما أخبر في الحديث إن المؤذن إذا أذن أدبر الشيطان (6).

والجواب عن السؤال السادس: أن يقال: أما قوله لا عند قراءة أم القرآن ولا في التي بعدها، فإنا قد قدمنا أن البسملة ليست من أم القرآن ولا في شيء من السور التي تقرأ بعدها. وأن الشافعي اختلف قوله في كونها من السور التي تقرأ بعد أم القرآن ولم يختلف قوله في أنها من أم القرآن. وأما التعوذ فعند الشافعي أن محله بعد دعاء الاستفتاح (1) وقبل القراءة.

ولمالك فيمن قرأ في الصلاة أنه يتعوذ بعد أم القرآن. وقال أبو هريرة وابن سيرين والنخعي التعوذ بعد القراءة. واحتج ابن سيرين بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (2).

 وأجيب عن هذا بأن المراد إذا أردت قراءة القرآن. وهذا كقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ.

 أي إذا أردتم القيام إليها. والتعوذ يختص بالركعة الأولى عند أبي حنيفة، والشافعي. وقال ابن سيرين بل يتعوذ في كل ركعة. وقيل إن هذا قول آخر للشافعي. فمن قال بتكرره رآه كالتأمين لما كان من توابع القراءة، ككون التأمين من توابعها. واحتجت الشافعية بأنه كدعاء الافتتاح فوجب أن لا يتكرر. وفُرق بينهما بأن دعاء الافتتاح يراد لافتتاح الصلاة وذلك لا يتكرر. والتعوذ يراد للقراءة. والقراءة تتكرر.

شرح التلقين جزء 1 صفحة 566 574