إنكار وجود عبد الله بن سبأ اليهودي لا يُعدو كونه إنكارًا لحقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار. فلم يُعرف فيمن تقدم من علماء الأمة من أنكر وجوده، ولا أدري من الأَولى بالعلم والدراية بالحقائق: أولئك الأئمة المتقدمون أم المتأخرون المرتجفون الذين يخشون من ذِكر هذا المؤسس الحقيقي لفكرهم؟

ونحن هنا نتحدى القوم أن يأتوا بواحد فقط من علمائهم المتقدمين – لا من خصومهم – يصرّح بأن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها. فكم عدد هؤلاء المدافعين عن خرافة عدم وجوده؟ ومنهم من تطوّع للرد علينا – ويا ليت أنه استطاع ذلك – فلقد اشتقت إلى قراءة رده، لأعرف بأي منطق رد عليّ؟ فإن كان صادقًا، فسأقر بخطئي، وأعترف بقصوري وزللي.

لقد كنت أتمنى أن يأتي واحد منهم ليقول إن ما نقلته غير صحيح، أو أن المصادر التي اعتمدت عليها ليست موثوقة، أو أن العبارات المنسوبة لم ترد في كتبهم، أو أن استدلالي في غير موضعه. وإني لا أزكّي نفسي عن الخطأ، فأنا بشر، والخطأ وارد، حتى فيمن ادّعوا له العصمة كذبًا وزورًا، وهو علي بن أبي طالب، إذ قال: "لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ" ["الكافي" نقلاً عن "أعيان الشيعة" ج1 ص136]. فإن كان احتمال الخطأ يُسقط الإمامة، فقد أسقطها أئمتهم بأقوالهم.

ورغم ذلك، لم نجد من خصومنا ردًا إلا المهاترات، والشتائم، والافتراءات، والتنابز بالألقاب، دون أن ينقض أحدهم أيًا من نقولي، أو يشكك في مصادري، أو يدحض حججي.

اللافت للنظر أنني لم أستشهد على وجود عبد الله بن سبأ بكلام أهل السنة كالذهبي، أو ابن حجر، أو البخاري، بل ذكرتُه من كتب الشيعة أنفسهم: من الكشي في علم الرجال، ومن النوبختي في كتاب "فرق الشيعة"، ومن "روضة الصفا"، وهي كتب من تأليف كبار علماء الشيعة، وتحقيق علمائهم، فلا مجال للادعاء بأننا دسَسنا فيها.

ثم يأتي من يسخر ويتعجب قائلًا:

من هذا ابن سبأ؟ كيف يكون حاضرًا في العراق ومصر والبصرة والكوفة، ويظهر في كل واقعة؟! ويتساءل: لماذا لم يشتكِ منه الخليفة عثمان كما اشتكى من أبي ذر وعمار؟ ولماذا لم يرد ذكره في الأحاديث؟!

ونرد فنقول: هذا الاعتراض عجيب، والأعجب الإصرار على نفي شخصية توافرت الأدلة على وجودها في كتب الشيعة أنفسهم، وليس في كتب خصومهم فقط. إنها شخصية حقيقية، ومؤثرة، رغم محاولات طمسها من أجل تبرئة بعض الشخصيات أو التهرب من مسؤولية بعض الأحداث.

ثم يزعم بعض الشيعة في القرن الرابع الهجري أنهم "غربلوا" التاريخ واكتشفوا أن ابن سبأ شخصية مختلقة! ونقول:

 كيف غربلتموه؟

بقلب الحقائق، وتجاهل الشهادات، وغضّ البصر عن أقوال علماء مذهبكم؟

ثم يتهمنا هؤلاء بأننا نقلد علماءنا، بينما هم أنفسهم يقلدون من زعموا بعدم التحريف تقليدًا أعمى، ويستنكرون تقليد أهل السنة، في حين أنهم يقعون فيما استنكروا عليه!

أليس هذا تناقضًا؟

بل هو عين التناقض، وهو سمة من صفات المفترين الكاذبين: ينكرون في موضع ما يؤكدونه في موضع آخر.