تناول العلماء مسألة إتيان المرأة في دبرها:

 وأجمع جملة منهم على تحريمه وذم فاعله. وقد نُسب إلى الإمام مالك - رحمه الله - جواز هذا الفعل، إلا أن النقول الصحيحة عنه تثبت خلاف ذلك، وتكذّب هذه النسبة بكل وضوح.

فقد نقل القرطبي في تفسيره (3/94-95) عن الإمام مالك أنه لما أُخبر أن بعض أهل مصر يروّجون القول بأنه يُجيز وطء المرأة في دبرها، استنكر ذلك بشدة، وردّ بغضب قائلاً: "كذبوا عليّ، كذبوا عليّ، كذبوا عليّ"، ثم استدل بقول الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}.

وقال: "وهل يكون الحرث إلا في موضع النبات؟"، مشيرًا إلى أن موضع الزرع لا يكون إلا في القُبُل، لا في الدبر، وهو موضع لا يُنبت.

وفي واقعة أخرى أوردها "المدخل" لابن الحاج (2/198)، سُئل مالك عن رجل أتى امرأته في دبرها،

فأجاب: "أرى أن يُوجَع ضربًا، فإن عاد ففرّق بينهما"، وهو نص يدلّ على أنه يرى ذلك من الفواحش التي تستوجب العقوبة والتفريق.

أما بعض الرواة ممن نسبوا الجواز إلى مالك استنادًا لما يُسمى بـ"كتاب السر"، فقد ردّ العلماء على ذلك وبيّنوا بطلان هذه النسبة، لأن مالكًا لم يكن له كتاب سرّ أصلًا، ولم تُعرف عنه هذه الرخص، بل اشتهر بالتشديد في هذا الباب. بل قال الخليفة له يومًا: "يا مالك، ما زلت تُذلّ الأمراء"، مما يدل على شدته في الحق، وعدم مجاملته لأحد فيه.

ونقل "الهداية إلى بلوغ النهاية" (1/737-738) أقوالًا عن الإمام مالك في هذا السياق،

 حيث جاء عنه قوله: "أما أنتم قوم عرب؟ ألم تسمعوا قول الله: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}؟ أيكون الزرع حيث لا نبات؟"، فبيّن أن المراد هو القُبُل لا الدبر، ولو اتخذ الحديث على ظاهره من حيث "أنى شئتم"، فالمعنى كما نقل عن ابن عباس وغيره، أي: "متى شئتم" أو "كيف شئتم"، بمعنى: في هيئة مختلفة، لكن في موضع الزرع، لا في غيره.

وقد نقل ابن الحاج في "المدخل" (2/193) تحذيرًا عامًا من هذا الفعل، واعتبره فعلًا قبيحًا شنيعًا، أحدثه بعض السفهاء، ووصفه بأنه "مسألة معضلة في الإسلام"، ورفض أن يُنسب هذا إلى الإمام مالك. وأكد أن أهل الدين والمروءة ينبغي ألا يتعلقوا بالروايات الواهية في جوازه، فهي كلها مطعون فيها، وأن المتدين يجب أن يأخذ بالأحوط، وهو الامتناع عن هذا الفعل، حذرًا من عقوبة الله.

وقد وردت في السنة النبوية أحاديث صريحة في لعن فاعل ذلك، ومنها ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها"، وهو حديث خرّجه أبو داود، ويُستدل به على تحريم هذا الفعل وذمّه.

وخلاصة الأمر:

 أن النقولات الصحيحة عن الإمام مالك وأقوال جمهور العلماء تدل على تحريم هذا الفعل واستنكاره، وردّ كل ما نُسب بخلاف ذلك، سواء من كتب مشبوهة أو روايات باطلة لا سند لها.