انتشرت في التاريخ الإسلامي فرقٌ منحرفة خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة، واعتمدت على روايات باطلة أو مكذوبة لتأسيس معتقداتها، ومن أشهر هذه الفرق: الرافضة الذين هم فرقة ضالّة لا تمتّ للإسلام الصحيح بصلة، وقد امتلأت كتبهم بالأحاديث الموضوعة التي تخدم أغراضهم العقدية والسياسية.
ومع كثرة هذه الفرق عبر العصور، برز سؤال مهم في علوم الحديث عند أهل السنة: هل تُقبل رواية المبتدع؟

لقد قدّم العلماء منهجًا دقيقًا مبنيًا على قواعد العدل والإنصاف، بعيدًا عن الهوى والعصبية، وهو ما يؤكد.

قال الإمام ابن حجر:

" ثمَّ البِدْعَةُ: إمَّا بمُكَفِّرٍ، أو بِمُفَسِّقٍ.

فالأوَّلُ: لا يَقْبَلُ صَاحِبَها الجمهُورُ.

والثَّاني: يُقْبَلُ مَنْ لَم يكُنْ دَاعِيةً، في الأصَحّ، إلاَّ إِنْ رَوَى مَا يُقَوِّي بدْعَتُهُ فَيُرَدُّ، عَلَى الْمُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ الجوزجانيُّ شَيْخُ النَّسَائِي "

نخبة الفكر – أحمد بن علي بن حجر - ص 19

قال الإمام ابن حجر:

" والثالث التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية فيقبل غير الداعية ويرد حديث الداعية وهذا المذهب هو الأعدل " اهـ.

فتح الباري – أحمد بن علي بن حجر - ج 1 ص 385

وقال: "والتحقيقُ أنه لا يُرَدُّ كُلُّ مُكَفَّرٍ ببدعةٍ؛ لأن كلَّ طائفةٍ تدعي أن مخالفيها مبتدعةٌ، وقد تُبالغ فتكفِّر مخالفها، فلو أُخِذَ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميعِ الطوائفِ.

فالمعتمد أن الذي تُرَدُّ روايته مَن أَنكر أمراً متواتراً مِن الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا مَن اعتقدَ عكسَهُ، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضَبْطُهُ لِما يرويه، مع ورعه وتقواه، فلا مانع مِن قبوله " اهـ

نزهة النظر شرح نخبة الفكر – ابن حجر – ص 127

وقال الإمام الذهبي:

"قال شيخنا ابنُ وَهْب: العقائدُ أَوجبَتْ تكفيرَ البعضِ للبعض، أو التبديعَ، وأَوجبَتْ العَصَبِيَّةَ، ونشأ من ذلك الطعنُ بالتكفيرِ والتبديع، وهو كثير في الطبقة المتوسِّطةِ من المتقدمين.

والذي تَقرَّرَ عندنا: أنه لا تُعتَبرُ المذاهبُ في الرواية، ولا نُكفِّرُ أهلَ القِبلة، إلا بإنكارِ مُتواترٍ من الشريعة " اهـ

الموقظة – محمد بن أحمد الذهبي - ص 19

وقال الحافظ ابن حجر:

" وينبغي ان يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقا ولم يكن داعية بشرط ان لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها فانا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى والله الموفق " اه

لسان الميزان – أحمد بن علي بن حجر – ج 1 ص 11

وقال الإمام الذهبي:

 " 2 - أبان بن تغلب [ م، عو ] الكوفى شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته "

ميزان الاعتدال – محمد بن أحمد الذهبي - ج 1 ص 5

وقال الإمام محمد ناصر الدين الالباني:

"والذي تحرر عندي فيها- ورأيت فحول العلماء عليها-:أن المبتدع إذا ثبتت عدالته وضبطه وثقته؛ فحديثه مقبول ما لم تكن بدعته مكفرة، ولم يكن حديثه مقوياً لبدعته، والى هذا مال الحافظ في "شرح النخبة" تبعاً للعلامة المحقق ابن دقيق العيد، وقد حكى كلامه في "مقدمة الفتح " (ص 385)، وهو جيد ومهم جداً، فراجعه " اهـ

السلسلة الصحيحة – محمد ناصر الدين الالباني - ج 13 ص 30

وقال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد:

 " س / ما المراد بالمبتدع، وهل تقبل روايته أم لا؟

ج: المبتدع هو من وصف بأنه رافضي، أو قدري، أو مُرجي، أو جهمي، أو خارجي.

وقد قسم العلماء البدع إلى قسمين:

1- بدع مكفرة.

2- بدع غير مكفرة.

1- فالبدع المكفرة:

مثل بدعة التجهم والرافضي الغالي في رفضه وهو الذي يقول بأن في القرآن نقصاً وأن هناك قرآناً غير هذا القرآن ويصرح بتكفير معظم الصحابة أو يدعي أن علياً هو الإله - فهذا الصنف من الرواة روايتهم مرفوضة مردودة.

 

2 - بدع غير مكفرة:

 

مثل الإرجاء والقدر والتشيع الخفيف.

القدري:

وهو من يقول: إنني لو وصفت وقلت: إن الله قدر الخير والشر على الناس لأصبحت واصفاً الله بأنه ظالم، وهي مقولة مستبشعه، وهو أراد أن ينزه الله عن الظلم، وتجده في باقي أموره منضبطاً.

المرجئ:

وهو من يقول: إن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، فالإيمان هو مجرد التصديق ولا تدخل الأعمال فيه، والإيمان لا يزيد ولا ينقص، وتأولهم ناشئ من أخذهم الإيمان بالمفهوم اللغوي.

فيقولون: إن الله قال عن أخوة يوسف: ﴿وما أنت بمؤمن لنا [يوسف: 14] يعني مصدق لنا، فالإيمان يعني التصديق وكوننا نُدخل الأعمال في مسمى الإيمان فهذا معنى زائد - هذا قولهم.

المتشيع تشيعاً خفيفاً:

وهو يقدم علياً على عثمان ويوجد فيهم بغض لمعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، فيوصف بأنه: فيه تشيع.

الحافظ - رحمه الله - وضع قاعدة استقاها من ابن حبان وغيره، لكن ابن حبان ركز عليها في مقدمة كتابه المجروحين.

والقاعدة:

نفرق بين الداعية وغير الداعية، فإذا وجدنا موصوفاً ببدعة غير مكفرة؛ كالقول بالقدر، أو الإرجاء أو التشيع الخفيف - فننظر إلى ذلك الراوي هل هو داع إلى بدعته أولا؟

فإن كان داعياً إلى بدعته رددنا روايته؛ لأننا لو قبلنا روايته لكان ذلك تأييداً لبدعته، فما دام أنه رأس في البدعة فإنه تترك روايته كالتعزير والنكاية به.

أما إذا لم يكن داعياً إلى بدعته، فهذا عندهم فيه قيد:

قالوا: إن كان في حديثه ما يؤيد بدعته رددناه، ونقبل أحاديثه التي لا تؤيد بدعته " اهـ

الفتاوى الحديثية - سعد بن عبد الله آل حميد - ج 1 ص 20 – 21