تستمرّ الفرقة الضالّة الشيعة الإمامية في محاولة التشكيك في القرآن الكريم وسُنّة النبي ﷺ من خلال نشر روآيات موضوعة أو ضعيفة، وترويج شبهات قد ردّ عليها علماء الإسلام من مئات السنين. ويعمد الرافضة في كل عصر إلى اجتزاء النصوص أو تلفيقها لنقض عقائد أهل السنّة والجماعة، بينما هم أنفسهم غارقون في روآيات التحريف والطعن في كتاب الله، حتى نسبوا لأئمتهم أن القرآن ناقص ومحرّف. وتعدّ شبهة "آية الرجم" و"رضاع الكبير" من أكثر الشبهات التي يستغلّها الشيعة للطعن في جمع القرآن، رغم أن أهل العلم بيّنوا أنها من باب النسخ، وأن الحديث الوارد فيها لا يصحّ الاستدلال به على التحريف، بل ينسف دعوى الرافضة ويكشف تناقضهم.
هذا المقال يشرح حقيقة الروآية، ويبيّن منهج علماء السنة، ويردّ على شبهات الشيعة الذين يضعون الأحاديث أو يسيئون فهمها خدمةً لعقيدتهم الباطلة.
قال الإمام ابن ماجة:
"حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ نَزَلَتْ آية الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا
تحقيق الألباني:
حسن التعليق على ابن ماجة "
صحيح وضعيف سنن ابن ماجة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 4 ص 444
ومع أن الإمام الالباني حسن هذا الاثر إلا أن غيره من اهل العلم قد ضعفه، وعلله بانفراد محمد بن إسحاق.
قال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريج الحديث:
"لا يصح، تفرد به محمَّد بن إسحاق -وهو المطلبي- وفي متنه نكارة. عبد الله بن أبي بكر: هو ابن محمَّد بن عمرو بن حزم... "
سنن ابن ماجة – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 3 ص 125
وأما من ناحية المتن فآية الرجم منسوخة، وقد تكلمت عنها، وآية الرضاع منسوخة أيضا.
قال الإمام مسلم:
"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقرآن: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقرآن"
صحيح مسلم - بَابُ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ – ج 2 ص 1075
قال الإمام السيوطي:
النَّسْخُ فِي الْقرآن عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقرآن"، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهَا: "وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ "فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَقَاءُ التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: قَارَبَ الْوَفَاةَ أو أن التِّلَاوَةَ نُسِخَتْ أَيْضًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ كُلَّ النَّاسِ إلا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَؤُهَا"
الاتقان في علوم القرآن – عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 3 ص 70
وقال الإمام النووي:
"وَقَوْلُهَا (فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ يُقْرَأُ وَمَعْنَاهُ أن النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قرآنا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أن هَذَا لَا يُتْلَى وَالنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَالثَّانِي مَا نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَالثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأكثر وَمِنْهُ قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الْآية وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 10 ص 29
فالحديث يتعلق بالناسخ، والمنسوخ، وقد استشهد الطوسي بحديث ام المؤمنين في حكم النسخ.
حيث قال: "وأما نسخهما معا فمثل ما روى عن عايشة انها قالت كان فيما أنزله تعالى عشرة رضعات يحرمن ثم نسخت بخمس فجرت بنسخه تلاوة وحكما وانما ذكرنا هذه المواضع على جهة المثال ولو لم يقع شيء منها لما أخل بجواز ما ذكرناه وصحته لان الذي أجاز ذلك ما قدمناه من الدليل وذلك كاف في هذا الباب"
عدة الأصول - الطوسي - ج 3 ص 37
وأما اكل الداجن للصحيفة فلا مضرة فيه، وذلك لان ما نزل من القرآن محفوظ في الصدور، فاذا حدث التلف لصحيفة قد كُتب فيها آية، أو أكثر من القرآن سواء اكلها الداجن، أو احترقت، أو بأي طريقة آخرى فذلك غير مؤثر على القرآن الكريم، وذلك لان آيات القرآن الكريم محفوظة في الصدور، ولقد ورد عند الرافضة في الكافي أن مصحفا قد وقع في البحر فذهب كل ما فيه إلا آية واحدة.
قال الكليني:
" عَنْهُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّضْرِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَقَعَ مُصْحَفٌ فِي الْبَحْرِ فَوَجَدُوهُ وَقَدْ ذَهَبَ مَا فِيهِ إلا هَذِهِ الْآية إلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ "
الكافي – الكليني – ج 2 ص 632
فهل يقول الرافضة أن القرآن مطعون به لان مصحفا قد وقع في البحر فذهب ولم يبق منه إلا آية واحدة؟!
الشبهة كما يطرحها الشيعة:
|
يزعم الرافضة أن حديث عائشة رضي الله عنها الوارد في ابن ماجه حول "آية الرجم" و"رضاعة الكبير"، وكونها كانت مكتوبة في صحيفة تحت سريرها ثم أكلها الداجن بعد وفاة النبي ﷺ، دليلٌ على أن القرآن ناقص، وأن الصحابة ضيّعوا منه آيات. ويستدلّون بقول الألباني الذي حسّن الحديث، زاعمين أن هذا يثبت ضياع جزء من القرآن، وأن أهل السنة يخفون ذلك. |
الرد العلمي المفصّل على الشبهة:
أولًا – الحديث مختلف في صحته، وأكثر أهل العلم على تضعيفه
◘ محمد بن إسحاق ـ وإن كان صدوقًا ـ إلا أنه مدلّس وقد تفرد بالرواية.
◘ شعيب الأرناؤوط قال: ) لا يصح، وفي متنه نكارة).
◘ وهذا وحده كافٍ لإسقاط الشبهة، لأن الدليل لا يُبنى على حديث مختلف فيه ومعلول.
ثانيًا – حتى لو صحّ الحديث فهو يتعلّق بالنسخ لا بتحريف القرآن
أجمع العلماء أن ما ورد في الحديث هو من:
نسخ التلاوة والحكم معًا كما نصّ عليه:
◘ الإمام السيوطي
◘ الإمام النووي
◘ الإمام مسلم
◘ علماء الأصول
وقد شرحت عائشة رضي الله عنها نفسها ذلك بقولها: "نُسِخْنَ بخمس معلومات"، أي أن التلاوة والحكم قد نُسخا.
فالحديث يتكلم عن آيات نُسخت قبل وفاة النبي ﷺ، لا آيات ضاعت.
ثالثًا – قولها "كان فيما يُقرأ" لا يعني أنها كانت قرآنا بعد وفاته
شرح النووي والسيوطي أن المعنى هو:
◘ أن النسخ كان في آخر حياة النبي ﷺ.
◘ وأن بعض الناس لم يبلغهم النسخ مباشرة.
◘ فلما بلغهم تركوا القراءة به بالإجماع.
إذن: لا وجود لتحريف.. بل هو نسخ شرعي بإجماع العلماء.
رابعًا – أكل الداجن للصحيفة لا علاقة له أبداً بالتحريف
القرآن لم يُحفظ في الصحف أولًا، وإنما: حُفظ في صدور الصحابة والحفّاظ
قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيات بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ فلو احترقت صحيفة، أو تمزقت، أو أكلها داجن - هذا لا يغير شيئًا في القرآن.
وللمفارقة…
في "الكافي" عند الشيعة أن مصحفًا وقع في البحر فلم يبق منه إلا آية واحدة!
فهل يقولون أن هذا تحريف؟!
إن قالوا نعم - بطل مذهبهم.
وإن قالوا لا - وجب عليهم قبول نفس الجواب عند أهل السنة.
خامسًا – الرافضة آخر من يتكلم في سلامة القرآن
لأن كبار علمائهم صرحوا بالتحريف، مثل:
◘ الطبرسي
◘ النعماني
◘ المجلسي
◘ الكليني
◘ الجزائري
وقالوا صراحة: القرآن ناقص، ومحرّف، وليس هو الموجود اليوم.
فكيف يحتجّ من يعتقد التحريف على من يعتقد الحفظ؟!