شبهة الرافضة حول «أخطأوا في الكتاب»: وحقيقة الرواية المنسوبة لعائشة

تُعرَف فرقة الرافضة عبر التاريخ بكثرة اعتمادها على الروايات الموضوعة والمكذوبة، وصياغة نصوص مبتدَعة تُسخّرها لخدمة عقيدتها المنحرفة المبنية على الطعن في الصحابة والقدح في القرآن الكريم. ومما لا يخفى على الباحث المنصف أنّ الرافضة فرقة ضالّة خرجت عن جماعة المسلمين، وأنّ منهجهم في الاحتجاج قائم على التلفيق والتدليس والانتقاء من المصادر دون فهم ولا ضوابط. ومن أكثر ما اشتهروا به محاولة إلصاق تهمة «تحريف القرآن» بأهل السنة، رغم أنّ أكبر أئمتهم نصّوا صراحةً على وقوع التحريف في القرآن الموجود اليوم. وفي هذا المقال نناقش إحدى شبهاتهم المشهورة، وهي استدلالهم برواية ضعيفة تُنسب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «هذا عمل الكتاب أخطأوا». ونبيّن بالأدلّة ضعف الرواية، وسوء استخدام الرافضة لها، وانكشاف منهجهم في خلط المتشابهات لإيهام الناس بأنّ أهل السنة يقرّون بتحريف القرآن.

الشبهة كما يطرحها الرافضة:

يحتج الرافضة بالرواية التالية:

«قالت عائشة: هذا عمل الكتاب أخطأوا في الكتاب».

ويزعمون أن هذا تصريح من عائشة رضي الله عنها بأن في القرآن أخطاء كتابية، وأن أهل السنة يقرون بذلك. ويستشهدون بذكر السيوطي والطبري للرواية، ويوهمون العامة بأن وجودها في هذه الكتب يعني صحتها، وأن أهل السنة يوافقون على وقوع الخطأ في القرآن.

 

نص الرواية:

حدثنا محمد بن حميد الرازي:

 قال ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سأل عائشة عن قوله والمقيمين الصلاة عن لحن القرآن ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون (المائدة69) والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة و﴿إن هذان لساحران (طه63) فقالت يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطأوا في الكتاب»

الدر المنثور2/745 الإتقان1/536 تفسير الطبري6/25).

إسناده ضعيف.

فيه محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف كثير المناكير.

قال البخاري: في «حديثه نظر».

وقال الجوزجاني هو غير ثقة.

وقال النسائي ليس بثقة.

وقال الأسدي « ما رأيت أحدا أجرأ على الله منه وأحذق بالذنب منه»

 (سير الأعلام 11/ 503. تهذيب التهذيب 9/ 127 – 131 تاريخ بغداد 2/ 259 – 264 ميزان الاعتدال 3/530 المجروحين 2/303 أحوال الرجال رقم 382 الكامل (6/ 2277).

وتناقض الكوثري فاتهم الحافظ بن عبد الهادي بإغفال من أثنى على الرازي (مقالات الكوثري392) غير أنه صرح في نفس الكتاب أن الرازي مختلف فيه وأنه كذبه كثيرون أشنع تكذيب ولا يحتج به عند كثيرين

(مقالات الكوثري456 و58).

وهذا الاختلاف ليس بتناقض، فإن البخاري قد بين أن أبا زرعة قد روى عنه ثم لما تبين له حاله ترك الرواية عنه (الضعفاء الكبير4/61). وهكذا يسقط الاحتجاج بهذه الرواية.

وقد ضعّف بعض أهل العلم هذه الرواية، لوجود أبي معاوية فيها وهو محمد بن خازم الضرير.

 قال الذهبي:

«قال ابن خراش: يقال: هو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب» وكذلك قال بن أحمد: سمعت أبي يقول: هو في غير الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظاً جيدا.علي بن مسهر أحبّ إلي منه في الحديث».

 وقال الحاكم:

 «احتجّ به الشيخان». وقد اشتهر عنه الغلو أي غلو التشيع» [119].

وينقل الداني:

 «أن بعض العلماء قد تأول قول أم المؤمنين (أخطأوا في الكتاب) أي: أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه. ثم ينقل أن هناك من تأول اللحن بأنه القراءة واللغة كقول عمر رضي اللّه عنه (أبَيّ أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه) أي قراءته ولغته».

غير أن الرافضة يحتجون بهذه الرواية محاولة منهم للمساومة معنا بعد أن اوهموا الناس أن قول عائشة هذا صريح في التحريف.

 وهذه المساومة على منهج سابقيهم في الكفر ممن قال الله عنهم ﴿ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سوآءا وهي محاولة فاشلة ومرفوضة. فإنه على فرض ثبوت هذا عن عائشة فإنه لا يستوي من قال (وقع خطأ من النساخ) وبين من قال «إن في القرآن ما هو على خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو محرف» كما في مقدمة تفسير القمي أعظم ثقة عند الرافضة لأنه أعظم وأبرز من قال بتحرف القرآن.

ونسأل كل منصف السؤال التالي:

إذا كان من يقول «الكُتّاب أخطأوا في الكتابة» يعتبر عندكم قولا بتحريف القرآن. فقولوا بأن من قال بأن القرآن محرف فهو مصرح بالتحريف من باب أولى؟

وهنا تعمي عيون الرافضة عن قول القمي ولا ترى إلا قول عائشة لأن العين مقيدة بالهوى مصابة بعمى التعصب فلا ترى ولا تسمع إلا من هواها.

وبالجملة فإن الرواية لم تثبت وبالتالي لم تقل عائشة شيئا من ذلك.

الرد العلمي المفصّل على الشبهة

أولاً: الرواية ضعيفة ولا تثبت عن عائشة رضي الله عنها

الرواية مدارها على محمد بن حميد الرازي، وقد قال فيه أئمة الجرح والتعديل:

البخاري: "في حديثه نظر".

النسائي: "ليس بثقة".

الجوزجاني: "غير ثقة".

ابن خزيمة: "لا أحتج به لسوء حفظه".

الأسدي: "ما رأيت أحداً أجرأ على الله منه".

وأخرج العلماء ترجمته في كتب الضعفاء والمجروحين بسبب كثرة تدليسه ووضعه.

وعليه: الرواية ساقطة لا تقوم بها حجة، ولا تُنسب لأم المؤمنين.

ثانيًا: وجود الرواية في كتب التفسير لا يعني صحتها

كتب التفسير تجمع الصحيح والضعيف، وقد نصّ أصحابها على ذلك.

وجود الرواية في:

الدر المنثور

الإتقان

تفسير الطبري

لا يعني أنها صحيحة، لأنها منقولة بإسنادها ليُعرف حالها.

والقاعدة: العبرة بصحة الإسناد لا بمكان ورود الرواية.

ثالثًا: حتى لو فُرض صحة الرواية… فهي لا تعني تحريف القرآن

العلماء الذين تأولوا العبارة قالوا إن معنى:

«أخطأوا في الكتاب»

لا يعني الخطأ في القرآن، بل يعني:

أخطأوا في الاختيار بين الأحرف السبعة

أو

أخطأوا في اللغة والقراءة كما كان عمر يقول: “ندع بعض لحن أبيّ”.

وليس في هذا أي مساس بجمع القرآن ولا نصه.

________________________________________

رابعًا: الرافضة يتجاهلون التحريف الصريح في كتبهم

إذا زعم الرافضي أن قول «أخطأوا في الكتاب» تحريف، فماذا يقول في قول القمي:

«إن في القرآن ما هو على خلاف ما أنزل الله»؟

وماذا يقول في:

سورة الولاية

آيات الولاية

اختلاف المصاحف عندهم

روايات الكافي والعياشي والاحتجاج التي تنص على النقص والتحريف؟

إنصافًا: من يصرّح بتحريف القرآن صراحة لا يمكن أن يحتج برواية ضعيفة كهذه.

خامسًا: الرواية لم تثبت… وبالتالي تنتفي الشبهة من أصلها

بعد إسقاط السند، لم يبق شيء يمكن الاستدلال به.

وعليه:

لم تقل عائشة هذا اللفظ.

لم يثبت أن أحدًا من الصحابة قال بتحريف القرآن.

لا علاقة للرواية بمبحث صيانة المصحف.

ولا علاقة لها بالتحريف الذي يصرّح به علماء الرافضة في كتبهم.

الخلاصة:

الرواية ضعيفة جدًا وساقطة السند.

حتى لو صحّت فهي لا تعني تحريف القرآن ولا تغييره.

الاحتجاج الشيعي قائم على التدليس والاقتطاع.

كتبهم مليئة بتصريحات صريحة بتحريف القرآن، فلا وجه للمقارنة.

القرآن عند أهل السنة محفوظ بحفظ الله، لم يتغير منه حرف واحد.