من أعظم مباحث العقيدة الإسلامية ما يتعلق بآيات الصفات وأحاديثها، حيث وقع فيها الخلاف والجدل بين أهل السنة والمبتدعة من المعطلة والمؤولة. ومن المسائل التي كثر فيها النقاش: مسألة الكرسي، الوارد ذكره في قوله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ﴾ [البقرة: 255].
مقالات السقيفة ذات صلة:
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
أصول أهل السنة والجماعة في الصفات
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
فقد ثبت عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله: «الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره»، وهي رواية صحيحة تلقاها أهل العلم بالقبول، وأكّد على صحتها كبار الأئمة كالنووي والزبيدي وابن حجر وغيرهم. وقد وردت آثار أخرى تؤيد هذا القول عن أبي موسى الأشعري وغيره من الصحابة، مما يبيّن أن مذهب السلف هو الإيمان بما جاء من النصوص دون تأويلها أو ردها.
حدثنا بندار محمد بن بشار قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سفيان عن عمار وهو الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره».
رواه ابن خزيمة1/248).
قال النووي:
«حديث الثَّوري متصل صحيح»
(تهذيب اللغة1/263).
مقالات السقيفة ذات صلة:
أن الله كتب التوراة لموسى بيده
الأصل حمل الصفات على الحقيقة (3)
قال النووي:
«والصحيحُ عن ابن عباس في الكُرْسِيّ ما رواهُ الثَّوْريُّ وغيرهُ عن عمارٍ الدُّهْنِي عن مُسْلمٍ البَطِينِ عن سعيد بن جُبَيْرٍ عن ابن عباسٍ أنه قال الكُرْسِيُّ موضعُ القدمينِ وأَما العَرْشُ فإنَّهُ لا يُقدرُ قدرهُ. وهذه روايةٌ اتفقَ أَهْلُ العلمِ على صِحتها والذي روي عن ابن عباس في الكُرْسيّ أنَّهُ العِلمُ فَليسَ ممّا يُثبتُه أَهلُ المعرِفةِ بالأخبارِ»
(تهذيب اللغة10/33).
وقال الزبيدي مثله تماما
(تاج العروس16/438).
وقال الحافظ:
«وقد روى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس أن الكرسي موضع القدمين وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله وأخرجا عن السدي أن الكرسي بين يدي العرش وليس ذلك مغايرا لما قبله والله أعلم»
(فتح الباري8/199).
فالحمد لله على اعترافهما بصحة الرواية في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقي أهل العلم بقبولها اتفاقا.
والكرسي: هو الذي بين يدي العرش.
وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض».
ولم يحك عن السلف أن الكرسي هو العلم ولا الانكار على من اعتقد أن الكرسي بين يدي العرش، وإنما أمروا بالإيمان به وترك الخوض فيه.
وورد عن أبي موسى الأشعري بلفظ:
«الكرسي موضع القدمين وإن له أطيطا كأطيط الرحل».
وقد أنكر المعطلة رواية "الكرسي موضع قدميه" ولكنهم لا يستطيعون تضعيف رواية ابن عباس وأبي موسى.
ونسأل إذا لم يكن المعنى:
موضع قدمي الله، فلمن تعود هاتان القدمان اللتان خلق الله الكرسي لأجلهما؟ هل سوف تقولون كعادتكم: يخلق الله مخلوقين يسميهما (القدمين)؟
وأما رواية أبي موسى الأشعري فقد ذكرها القرطبي في (تفسيره الجامع3/277 وانظر تفسير الطبري3/9 والسنة لابن أبي عاصم رقم574 ورواه الضياء في المختارة1/264 والهيثمي في 10/259 وقال رجاله رجال بن خليفة الهمذاني وهو ثقة ورواه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد7/141).
وقد صرح الحافظ ابن كثير بأن في سماع عبد الله بن خليفة من عمر رضي الله عنه نظر (تفسير ابن كثير1/311). وروي من طريق آخر عن سلمة بن كهيل (الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2222).
وصح عن ابن عباس موقوفًا (مستدرك الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي 2/282 والطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (12404) وقال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح».