من القضايا الكبرى التي عرضها القرآن الكريم في أكثر من موضع قضية إبليس وغوايته لبني آدم، حيث أقسم بعزة الله أن يغويهم أجمعين، إلا طائفة مخصوصة وصفها الله بالمخلصين. وقد دار حول هذه الآيات نقاش واسع بين المفسرين، إذ هل هي خاصة بالأنبياء؟ أم عامة في جميع العباد؟ أم تختص بفئة مخصوصة من الأولياء أو الأئمة وشيعتهم كما جاء في بعض الروايات عند الإمامية؟ ويأتي هذا البحث لتجلية معنى "المخلصين" في القرآن، وبيان من هم الذين لا سلطان لإبليس عليهم، مع استعراض أقوال المفسرين كالشافعي والشوكاني وغيرهما، وذكر الروايات الشيعية التي فسرت الآيات بخصوص الأئمة وشيعتهم، ثم مناقشة ما يترتب على هذه التفسيرات من آثار عقدية.

قال تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)

وقال في موضع اخر: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)

1- الآيات لا تتكلم عن الانبياء فقط

2- الآيات تنطبق على جميع الناس

وجاءت روايات ان المقصود بهذي الآيات هم الشيعة:

" الحديث الثامن عشر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال حدثني محمد بن الحسن الصفار قال حدثني عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان عن أبيه سليمان الديلمي قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد حضره النفس فلما ان اخذ مجلسه قال أبو عبد الله عليه السلام ما هذا النفس العالي قال جعلت فداك يا بن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع ما اني لا أدري على ما أرد عليه في آخرتي قال له أبو عبد الله عليه السلام يا أبا محمد وانك لنقول هذا (قال) قلت جعلت فداك فكيف لا أقول (قال) يا أبا محمد اما علمت أن الله تبارك وتعالى يكرم الشباب منكم ويستحى من الكهول............قال قلت جعلت فداك زدني (قال) لقد ذكركم الله في كتابه فقال (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) والله ما أراد بهذا الا الأئمة وشيعتهم"

فضائل الشيعة - الشيخ الصدوق - ص 20 23

وفي الكافي:

 " عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ وَ قَدْ خَفَرَهُ النَّفَسُ فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا هَذَا النَّفَسُ الْعَالِي فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَبِرَ سِنِّي وَ دَقَّ عَظْمِي وَ اقْتَرَبَ أَجَلِي مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ أَدْرِي مَا أَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ إِنَّكَ لَتَقُولُ هَذَا قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ كَيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ..........................

الَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ وَاللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا إِلَّا الْأَئِمَّةَ (عليهم السلام) وَ شِيعَتَهُمْ...."

الكافي الكليني ج 8 ص 33 36

3- الآيات لا تتكلم عن المسلمين، المسلمين جميعهم من عباد الله المخلصين، جميع المسلمين من اهل الجنة وليس من اهل جهنم.

وايضاً الآيات لا تتكلم عن المعصية التي لا تخرج عن الاسلام، الآيات تتكلم عن المعصية التي تخرج عن الاسلام كاستحلال المحرمات والوقوع بالكفر، والا للزم أي شخص من المسلمين يرتكب معصية فيكون من اهل النار، وبهذا توافق الخوارج الذين قاتلهم الامام علي رضي الله عنه.

فجميع المسلمين مخلصين قال تعالى: ﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)

في معاني الاخبار للصدوق، والمحاسن للبرقي:

 " 1 - أبي - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " قال: ليس له على هذه العصابة خاصة سلطان، قال: قلت: وكيف جعلت فداك وفيهم ما فيهم ؟ قال: ليس حيث تذهب، إنما قوله: ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌأن يحبب إليهم الكفر ويبغض إليهم الايمان"

معاني الأخبار - الصدوق - ص 158، والمحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 - ص 171

فيلزمك الان ان تقول بان جميع المسلمين وجميع الشيعة معصومين!!

واما الاخلاص مطلوب في جميع العبادات بل هو أصل التوحيد قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

وقال: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

مقالات السقيفة ذات الصلة:

شبهة (إسبال الثوب) في قوله (وثيابك فطهر)

تفسير قوله تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم اللغوي ومنهج أهل السنة

استدلال بعض المخالفين بآية: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ على نفي رؤية الله تعالى

قال الامام الشوكاني رحمه الله:

"﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان﴾ المراد بالعباد هنا: هم المخلصون، والمراد أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به، ولا يتوبون منه، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه ﴿إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين﴾ استثنى سبحانه من عباده هؤلاء. وهم المتبعون لإبليس من الغاوين عن طريق الحقّ الواقعين في الضلال، وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله: ﴿وَلأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾، ويمكن أن يقال: إن بين الكلامين فرقاً فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلاّ من اتبعه من الغاوين، فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين؛ وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلاّ المخلصين، فدخل فيهم من لم يكن مخلصاً ولا تابعاً لإبليس غاوياً. والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس. وقد قيل: إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون. ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾[النحل: 100]"

فتح القدير محمد بن علي الشوكاني - ج 4 ص 179