﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً﴾؟
يُعد فهم معاني القرآن الكريم وفق لغة العرب التي نزل بها أمرًا أساسيًا لتجنب الوقوع في التأويلات الخاطئة أو الفهم المغلوط. ومن الآيات التي وقع فيها اللبس عند بعض الناس قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً﴾ [يس:71]، حيث قد يتوهم البعض أن ظاهرها يقتضي خلق الأنعام بيد الله كما خلق آدم عليه السلام. إلا أن التحقيق العلمي واللساني يبيّن أن هذا المعنى غير مراد، وأن الآية جاءت على أسلوب عربي معروف في إضافة العمل إلى اليد بمعنى نسبته إلى صاحبه، وهو ما قرره العلماء ومنهم الإمام ابن عثيمين رحمه الله.
مقالات ذات صلة:
شبهة: (ثم استوى على العرش) دون تأويل باطل أو تشبيه
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
شبهة حديث «رأيت ربي في صورة شاب له وفرة»
آية التطهير: في ضوء تفسيرات الألوسي والشوكاني
والجواب:
أن يقال ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها، حتى يقال: إنها صرفت عنه؟
هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده، كما خلق آدم بيده؟
أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها، لم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها؛ معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن.
أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:
أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل القرآن به، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ ، وقوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ، وقوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ ، فإن المراد: ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده، بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي، كما في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.
الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده، لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعاما.
كما قال الله تعالى في آدم: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ﴾، لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية، لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.
وإذا ظهر بطلان القول الأول، تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني،
وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها، ولم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق، فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.
القواعد المثلى للإمام ابن عثيمين ص 94