من أبرز الشبهات التي يرددها الرافضة زعمهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حال دون كتابة وصية رسول الله ﷺ قبل وفاته، محتجين بقول عمر: «حسبنا كتاب الله». وهذه الدعوى لا تصمد أمام النصوص الشرعية والعقلية، إذ إن الله تعالى قد تكفّل بعصمة نبيه ﷺ في تبليغ الرسالة، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
فلا يمكن لأحد، كائناً من كان، أن يمنع النبي ﷺ من تبليغ ما أوحاه الله إليه. بل إن مراجعة الحادثة بعين الإنصاف تكشف أنها دليل على فضل عمر وفهمه العميق، وأن النبي ﷺ اختار ترك الكتابة لما رأى من المصلحة في ذلك، وقد أقره على قوله.
ودعوى الرافضة أن عمر منع رسول الله من كتابة الوصية مهدومة بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فقد أمر الله نبيه في هذه الآية بتبليغ جميع ما أنزل إليه من ربه، ولا يخاف أذى قومه لأن الله عاصمه من أذاهم.
وهي ترد على من زعموا أن عمر منع الرسول e من كتابة الوصية لأنه قال «إن رسول الله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله». والآية نص على أنه لا أحد يستطيع أن يمنع رسول الله من تبليغ ما يريد.
مما يؤكد أن هذه المقولة من عمر دليل على أنه ملهم ومحَدَّث. وجاء إعراض النبي عن كتابة الوصية ليؤكد ذلك. وقد أعجز الله أبا جهل وأبا لهب عن أن يمنعوا النبي من شيء من التبليغ فكيف ينجح عمر في منع النبي من الوصية ومنع علي من الخلافة؟ ما هذا المخلوق الذي أعجز الله ونبيه ووصيه بزعمكم؟
اخترنا لكم من موقع السقيفة:
العباس والفضل وعلي بن أبي طالب موجودون برزية الخميس
العباس والفضل وعلي بن أبي طالب موجودون برزية الخميس
قال الحافظ ابن حجر:
«وكأنه لما أراد الكتابة فوقع الخلاف ظهر له أن المصلحة في عدمها فتركها اختيارا منه كيف وهو عليه الصلاة والسلام لو صمم على شيء لم يكن لأحد عمر أو غيره أن ينطق ببنت شفة ولقد بقي حيا بعد هذه القضية نحو ثلاثة أيام ليس عنده عمر ولا غيره بل أهل البيت كعلي والعباس فلو رأى المصلحة في الكتابة بالخلافة أو غيرها لفعله على أنه اكتفى في الخلافة بما كاد أن يكون نصا جليا وهو تقديم أبي بكر رضي الله عنه للإمامة بالناس أيام مرضه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه لما خطب لمبايعة أبي بكر على رؤوس الاشهاد رضيه رسول الله أرسل إليه أن صل بالناس وأنا جالس عنده ينظرني ويبصر مكاني ونسبة علي رضي الله عنه فارس الإسلام إلى التقية جهل بعظم مكانته وأنه ممن قال الله فيهم لا يخافون لومة لائم».
♦ قول ابن عباس (إن الرزية كل الرزية الخ) هو ما يتبارد إلى ابن عباس وإلى كل من يحرص على ما يجنبنا الضلالة. وقوله هذا معارض بقول عمر وترك الرسول كتابة الوصية. وهذا الترك تأدييد من النبي لعمر. فلو أراد النبي الكتابة لما منعه أحد وقد بقي حيا أسبوعا بعد ذلك ولم يأمر بكتابة الوصية.
♦ ولكنها كانت رزية على الرافضة لو ثبت أن الوصية متعلقة بالإمامة. فإن الله اختبر الرافضة بهذا وفشلوا في الإختبار. فكفروا برفضهم أبا بكر، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. فمن رضي أبا بكر فقد الله والمؤمنين، ومن رفض أبا بكر فقد عادى الله والمؤمنين. والذي عليه أهل العلم أن النبي أراد أن ينص على استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتمادا على تقدير الله تعالى.
♦ وعسى أن يكون في ذلك خير للمؤمنين كما كان في نسيان النبي لليلة القدر خسارة ولكن عسى أن يكون خير لنا كما قال عليه الصلاة والسلام. فإن النبي لا يترك ما كان فيه خير لنا. ولو كانت الوصية واجبة فلا يجوز لرسول الله أن يترك واجبا. ولو كانت متعلقة بالإمامة فإن النبي قد وصى بإمامة أبي بكر في غير مرة كما قال «ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
♦ فإن زعم الرافضة أن عمر تمكن من منع رسول الله من تبليغ الوحي فيلزمهم أنهم جعلوا عمر قاهرا لما يريد الله مانعا رسول الله. كما فعلوا من قبل حين لزمهم اعتقاد أن عليا كان جبانا ضعيفا يضرب عمر زوجته على مرأى منه ويُسقِط جنينها فلا يحرك علي ساكنا.
♦ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقر باطلا. ولو كان في قول عمر ما يخل بالأدب لأنكر النبي عليه. لكنه لم يفعل.
♦ وقد قال عليه الصلاة والسلام «قوموا عني ولا ينبغي عند نبي تنازع». وهو لم يقل لعمر (قم عني ولا ينبغي أن تقول هذا لنبي). مما يؤكد أنه لم ير في قول عمر ما ينافي الأدب معه. وإنما أمرهم أن يقوموا عنه جميعهم بمن فيهم الذين أمروا بكتابة الكتاب بسبب نزاعهم وخصومهم. والدليل قوله e «قوموا عني ما أنا فيه خير مما أنتم فيه».
هل نسيان الوصية متعمد:
♦ فقول الرافضة «فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة» تدل على جهلهم لأن الصحابة لم ينسوا الحديث إنما الذي روى الحديث عنهم هو الذي نسيها وهو سعيد بن حبير فكيف يحمِّل الصحابة مسؤولية نسيان أحد الرواة لجزء من الحديث. ولو فرضنا أن الناسي هو ابن عباس فهو شهادة زور عليه وسوء ظن معهود من الرافضة بالصحابة. والصحابة أصدق خلق الله خلا الأنبياء، امل الرافضة مبغضوهم فهم أكذب خلق الله خلا إبليس.
فقد اختلف في تعيين الثالثة التي نسيها سعيد بن جبير، فمن قائل أنها تجهيز جيش أسامة، ومن قائل أنها قوله ( لا تتخذوا قبري وثنا )، ومن قائل أنها قوله ( الصلاة وما ملكت أيمانكم).
لو فرضنا أن الثالثة هي الوصية فإنها بالدليل من الأحاديث الأخرى متعلقة بالوصية لأبي بكر وهي ليست السياسة كما زعموا وإنما الفتنة الربانية لقوم زائغين مردوا على النفاق والمعاندة.
وبه يعلم سخف قول التيجاني «هل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصية الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف على بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي»
(ثم اهتديت ص127).
وقول الجاهل «بلا شك» إنما ليغطي بها كذبه، وإلا فهو الدخول النيات والحكم عليها كذبا وزورا.
وقول الراوي «وأوصاهم يثلاث» يبين أن الرسول e لم يطرد الصحابة من عنده، والأهم من ذلك أنه أوصى الصحابة بهذه الوصايا بعدما توقف عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، وهو بعينه دليل أنه e رأى عدم كتابته موافقة لعمر.
♦ أن النبي طرد الفريقين المختصمين حول كتابة الوصية ولم يأمر بطرد عمر بالرغم من قوله (حسبنا كتاب الله) مما يؤكد أن الأمر بالقيام عنه ليس طردا كما يزعم الرافضة القائلون (الرسول يطرد أصحابه). وإلا لجاز لقائل أن يسأل: ما ذنب الذين أرادوا كتابة الكتاب؟ ولماذا يطردهم الرسول؟
♦ لا شك أن هذه الحادثة كانت بعد نزول آية إكمال ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ وأنتم زعمتم أنه بإعلان النبي إمامة علي كمل الدين. فيلزمكم أن الدين لا يزال ناقصا فكيف يعود الدين ناقصا مع اعترافكم بأنه كمل بإعلان إمامة علي؟ هل هذا إلا التناقض والتخبط؟
♦ الشيعة يحاولون الظهور بمظهر المتأدب مع رسول الله مع زعمهم أنه فشل في تربية أصحابه. بينما هم لم يتأدبوا مع الله فقالوا (بدا لله) وزعموا أن (الأئمة هم أسماء الله الحسنى التي أمر الله عباده أن يدعوه بها) فليس لهم أن يظهروا بمظهر المتأدب وقد سبوا الله بهذا الوصف.
♦ أن عمر لم يقل إن الرجل ليهجر. والذي يروي عنه كذبا هو الذي يهجر. وإنما قالها جماعة ذلك، بدليل رواية «فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه» هكذا بصيغة الجمع دون المنفرد. وقد نص أهل العلم على أن الاستفهام جاء على سبيل الإنكار على من قال لا تكتبوا. فكأنه يقول: لماذا تتوقف عن الكتابة أوتظنه يهذي ختى تتوقف عن الكتابة؟
♦ فإن قالوا: إن القائل (يهجر) هو عمر. قلنا لعل الذي قالها علي فكيف تردون احتمالنا ولا نرد احتمالكم؟ ولعل قائل ذلك أحد حديثي العهد بإسلام.
♦ أما الرواية التي تليها وهي قول عمر: إن رسول الله e غلبه الوجع فإنها مفسرة للفظ الهجر.
♦ كيف يقدم الشيعي رأيه على القرآن؟
♦ إن الصحابة الذين أثنى الله عليهم في القرآن يجب تحسين الظن بهم وحمل كلامهم على أحسن المحامل، أما إساءة الظن بهم فإنه مخالفة أخرى للقرآن. وإن من ظاهر كلام عمر شفقته على رسول الله e وإصراره عدم تكلف النبي بما قد يزيد من وجعه. ويؤكد هذا الظن الحسن عدم ورورد شيء عن الصحابة ولا عن علي من الإنكار عليه.
♦ بل وتزويج علي ابنته لعمر وتسمية ابنه باسمه ومبايعته له تؤكد حسن ظنه بعمر.
♦ وإلا فيقال: ما بال علي لم يكتب هذا الكتاب الذي منعه عمر ولم يسترجع أرض فدك ولم يدافع عن فاطمة أو يحميها من ضرب عمر لها كما زعمتم.
♦ إن عمر من المهاجرين الذين قال الله فيهم ( لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ) . فإذا تعارض القرآن مع آرائكم تقدمونها عليه؟
♦ الهجر عند الموت معناه معاناة سكرات الموت بخلاف نسبة الهذيان إلى الصحيح غير المعاني من المرض أو الموت.
♦ الواقفون أمام النبي e عند موته لم يكونوا يستهزئون به ولم يكن المقام مقام استهزاء، إذ لم يعهد مثل هذا عنهم وهم الذين بكوا عليه حتى أنكروا أنفسهم في ذاك اليوم، إن هذا لا يفعله الكفار عند موت قريب لهم فكيف بالصحابة الذين أثنى الله عليهم.. بل كانوا يلاحظون عليه ما يلاحظ على من يعاني من سكرات الموت فكانوا يتساءلون: هل يحصل له ذلك؟
♦ أين هذه الكلمة من كلمة الخميني: إن رسول الله قد فشل في تربية أصحابه (خطاب ألقاه في إذاعة طهران بمناسبة مولد الرضا 15 شعبان1400).
♦ أن القول بأن النبي أراد أن يكتب وصية لعلي فهو من الكذب الرخيص. إذ لا دليل على أن الرسول e أراد أن يكتب شيئا يخص به عليا بالإمامة، ولا يلزم أن كل ما أراده النبي لا بد أن يكون مكتوبا بالضرورة.
♦ وقد حكى المفيد الاجماع على استخلاف النبي لعلي قائلا «واتفقت الإمامية على أن رسول الله e استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك دفع فرضا من الدين» (أوائل المقالات ص44).
♦ فهلا أخبرونا لماذا لم يكتب علي الوصية: أم أنهم سوف يقولون لنا: أراد علي أن يفعل؟
♦ لا يحق للشيعة تفسير وتحليل النصوص. فإنهم كثيرا ما يعارضون بتحليلاتهم كتاب الله. فالنص صريح في القرآن أن الأزواج هن أهل البيت ولا يزال الشيعة يتمسكون بقول زيد بن أرقم ويعرضون عما قال خالقه.
♦ وهم كلما ذكروا حديث التمسك بالثقلين في صحيح مسلم فإنهم يحذفون منه الجزء المهم وهو «فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فرغب في كتاب الله وحث عليه, ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات. فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ [وحذف: فقال زيد [يعني زيد بن الأرقم]: إن نساءه من أهل بيته ] ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قيل: ومن هم؟ قال: هم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل، قيل: أكل هؤلاء يحرم الصدقة؟ قال: نعم)) فانظروا بالله عليكم هذا التدليس وفي القرن الحادي والعشرين!! لأن هذا الجزء (( نساءه من أهل بيته )) سوف يهدم كل التُرهات التي بناها هذا الرافضي من قعرها!!
♦ إن كانت الوصية لعلي رضي الله عنه واجبة وتركها النبي فقد زعمتم أنه خان الرسالة وإن كانت مستحبة فهي ليست الوصية بالإمامة لأنها أهم أركان الدين عندكم.
♦ قصة غدير خم تناقض استدلال الشيعة بهذه الرواية. لا فائدة من منعه e من إنفاذ وصيته وقد شهدها تسعون ألفا بزعمكم يوم غدير خم. فما الفائدة من الحؤول دون الوصية بالإمامة التي شهدها هذا العدد من الصحابة؟
قال الرافضة:
«إن الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر (حسبنا كتاب الله) ولذك رأى رسول الله عدم جدوى الكتاب لأنه علو أنهم لن يمتثلوا لوصيته بعد موته.
قلت: يا ليها من تحليلات لا وزن لها في ميزان العلم. ألم يقل الله لنبيه (إن عليك إلا البلاغ). فكيف يبلغ الرسول إمامة علي ولا يبلغ الوصية؟ غاية ما عند الشيعة أن النبي غضب فلم يبلغ. وكذلك غضب علي فكتم كتاب الله وأقسم أنهم لن يروه بعد يومهم هذا. ولما قالوا له نبايعك غضب وقال: دعوني والتمسوا غيري. وكأنه يقول لهم: آلان تريدون إمامتي وقد حجدتموها من قبل.
فلا الرسول بلغ ولا الله صدق الوعد، وعلي رفض أعظم منصب في الدنيا. هل هذا إلا عين الطعن برسول الله! بقد كان الرسل يتعرضون للتعذيب والقتل والتشريد. ولم يمنعهم ذلك من قول كلمة الحق. ولو كان رسولنا e يتوقف عن التبليغ لمجرد كلمة تقال له لتوقف عن تبليغ دعوته إلى قريش.
فكما أن النبي أراد الوصية بوحي، فكذلك تركها بوحي. ولو أن الله أوحى له وجوبها لكتب الوصية. ومن يقدر على منع نبي الله إن أصر وقال: أنا نبي موحى من الله والله أمرني أن أكتبها.