الروايات الأخرى تكشف الوصية المرادة

حادثة رزية الخميس من أبرز الأحداث التي اتخذها الشيعة مطعنًا على الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، زاعمين أنه منع النبي ﷺ من كتابة وصية تتعلق بخلافة علي بن أبي طالب. لكن التحقيق في الروايات المتعددة، وما ورد في الصحيحين والمسانيد، يكشف أن الوصية التي أرادها النبي ﷺ لم تكن لعلي، بل كانت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما نصّت بذلك روايات صحيحة في "المستدرك" و"صحيح مسلم" و"البخاري".
ويظهر من خلال تتبع الأحاديث أن موقف عمر رضي الله عنه كان موافقًا لحكمة الله، حيث أجرى الله على لسانه ما يتفق مع الوصية الإلهية: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".
هذا المقال يسلط الضوء على حقيقة الوصية، ويرد على أهم الشبهات، مع كشف تناقضات الشيعة في مروياتهم، حيث لم يثبت عندهم أي سند صحيح لادعائهم، بل كانوا مضطرين للاحتجاج بروايات البخاري الذي يطعنون فيه 

اخترنا لكم من موقع السقيفة:

العباس والفضل وعلي بن أبي طالب موجودون برزية الخميس

اسئلة تتعلق برزية الخميس

شبهة حديث الكرسي موضع القدمين

عقيدة أهل السنة في التوحيد

العباس والفضل وعلي بن أبي طالب موجودون برزية الخميس

وبما ان الحديث يصدق بعضه بعضا وأن مهمة أهل العلم تفسير الحديث بأحاديث أخرى تزيل الإشكال. وبما أن إعمال النصين أولى من إهمال أحدهما. وحتى لا نكون من الذين نسوا حظا مما ذكروا به أو نكون من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب بسبب ما في قلوبهم من الزيغ ابتغاء الفتنة:

فنحن نذكر رواية أخرى تحكم هذه الشبهة وتؤكد أن الوصية التي أرادها النبي e إنما هي الوصية لأبي بكر بالخلافة.

والدليل ما رواه الحاكم:

«أخبرني أحمد بن عبد الله المزني بنيسابور ومحمد بن العدل ثنا إبراهيم بن شريك الأسدي بالكوفة ثنا أحمد بن يونس عن أبو شهاب عن عمرو بن قيس عن ابن أبي مليكة عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: «قال رسول الله e: ائتني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ثم ولانا قفاه ثم أقبل علينا فقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

رواه الحاكم في (المستدرك3/542 حديث رقم6016) وقال الذهبي «إسناده صحيح». وصححه الألباني في (ظلال الجنة2/320)

إبراهيم بن شريك: ثقة. قال ابن الزيات: «سمعت أبا العباس بن عقدة يقول: ما دخل عليكم أحد أوثق من إبراهيم بن شريك». وقال الدارقطني: «ثقة» (سير أعلام النبلاء14/120).

وأحمد بن يونس اليربوعي: ثقة متقن كما وصفه بذاك أحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي (تهذيب التهذيب1/44 سير أعلام النبلاء10/457).

وأبو شهاب الخياط وهو عبد ربه بن نافع من رجال البخاري (أنظر البخاري حديث 5580)

وعمرو بن قيس الملائي: ثقة متقن وثقه أحمد. وهو من رجال مسلم.

وابن أبي مليكة تابعي ثقة.

ولهذا ألهم الله عمر أن يقول (حسبنا كتاب الله) مكرا بالرافضة.

 وإلا كان من الممكن لو أن النبي أعلن الوصية لأبي بكر أن يضع الشيعة عند مفرق الطرق. ولكن علم الله موقف الرافضة من عمر فكاد لهم بعمر رضي الله عنه.

وقد أراد النبي أن يوصي في هذا المجلس لأبي بكر ولكن الله فتن الشيعة بقول عمر (حسبنا كتاب الله) ولو شاء الله لأوصى النبي لأبي بكر في ذاك المجلس، غير أنه قد ثبت تأكيد النبي أن يخلفه أبو بكر ومع هذا فقد رفضتموه. وقد اعترفت مصادركم بأن علي بن أبي طالب بايع أبا بكر ومع ذلك لا تزالون ترفضون.

وبما أن النبي قال «ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» قبل مرضه، والتي هي قرينة يحق لنا من خلالها الترجيح أن النبي أراد أن يؤكد رغبته في الوصية لأبي بكر. فلماذا تنكرون على عمر وقد أراد إراحة النبي عن أن يكرر موضوع كتابة الكتاب لأبي بكر؟

أولا: لا يزال عمر في قوله (حسبنا كتاب الله) خير من الشيعة الذين قالوا: حسبنا ثلث كتاب الله. لأنهم زعموا أن هذا القرآن الذي بأيدينا ناقص وليس فيه إلا مقدار الثلث وأن الثلثين الآخرين هما عند المهدي. فقد زعموا أن عليا غضب من الصحابة حين عرض عليهم القرآن كاملا فقالوا «لا حاجة لنا إلى كتابك هذا. فغضب وقال: والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا.

(الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب).

 ثم بقي القرآن الصحيح الكامل مخفيا عن الناس لقرون طويلة. ويبقى مع المهدي طيلة هذه الفترة.

فلا يحق لمن يقولون حسبنا ثلث كتاب الله أن ينزعجوا من قول عمر (حسبنا كتاب الله).

ثانيا: والرسول لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وإقراره لقول عمر بدون إنكار منه هو جزء من هذا الوحي. وإنما الساكت عن الحق شيطان أخرس.

ثالثا: السؤال المهم لرد هذه الشبهة: هل كتب علي بن أبي طالب وصية النبي مخالفة منه لفعل عمر؟ الجواب: كلا. ولكن لماذا؟

سيدنا محمد يقول هلموا اكتب لكم وصية تتعلق عند الشيعة بإمامة علي. فمنعها عمر.

فلا كتب علي الوصية ولا أطاعها، بل خالفها بمبايعته لأبي بكر وعمر وعثمان على الإمامة.

ومنع أبو بكر فاطمة أرض فدك فلم يستردها علي عندما صار خليفة بعد عثمان. وضرب عمر فاطمة وكسر ضلعها وقتل ولدها (بزعمهم) فلم يحرك علي ضد ذلك ساكنا.

وحرم عمر المتعة فلم يحلها علي بعده. وجمع أبو بكر قرآنا ناقصا حذف منه آيات متعلقة بأهل البيت. فجمع علي قرآنا آخر كاملا ولكن: كتمه عن الناس ولا يزال مكتوما.

والسؤال الذي يحيد الشيعة عنه هو:

أين كان علي آنذاك؟ ولماذا لم نسمع منه موقفا، ولئن قلتم لم يكن موجودا قلنا: هو لا يخفى عليه شيء في عقيدتكم فلماذا لم يكتب الوصية!

عرفنا موقفا لعلي حين رفض أن يمحو ما أمر النبي بكتابته، فلماذا فقدنا موقفا آخر لعلي يكتب فيه ما أراد النبي أن يوصي بكتابته؟ هل هو فقط يمحو ولا يكتب؟

ولماذا لا نجد لعلي أي دور لا في الوصية ولا بعدها. أليس هذا خذلان منه للشيعة وتمكين لخصومهم بالاحتجاج بأفعاله ضد شيعته.

سؤال آخر:

هل علم عمر أن النبي سوف يموت بعد هذا المجلس؟

 إن قلتم: نعم كذبتم فإن خبر موت النبي e نزل عليهم كالصاعقة حتى أنكر عمر أن يكون النبي قد مات. وعمر لا يعلم الغيب، وكم من مريض عوفي وبقي بعد مرضه زمنا طويلا.

وههنا فائدة تبين صدق التزام أهل السنة بصحة الحديث. فقد روى أحمد عن عمر بن الفضل عن نعيم بن يزيد عن على بن أبي طالب قال: «أمرني النبي e أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده قال: فخشيت أن تفوتني نفسه قال: قلت: إني أحفظ وأعطي قال: أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم» وهذا سند ضعيف، فيه نعيم بن يزيد كما قال الألباني (مسند أحمد2/105 تحقيق الأرناؤوط حديث رقم693 وانظر إرواء الغليل7/238). هذا مع إمكان تحسينه بالشواهد والمتابعات. قال الألباني:

«والحديث رواه قتادة أيضا عن سفينة مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: «كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه».

قال الألباني:

 «هكذا رواه سعيد وهو ابن أبي عروبة عنه. أخرجه أحمد6/290). وتابعه أبو عوانة عن قتادة. أخرجه ابن أبي الدنيا. وخالفهما همام فقال: ثنا قتادة عن أبي الخليل عن سفينة به. أخرجه أحمد (6/311 و321). قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى فإن قتادة معروف بالرواية» (إرواء الغليل7/238).

رابعا: أن الشيعة يعتقدون أن النبي أعلن في غدير خم أمام مئة ألف مسلم عن خلافة علي ونزلت بعده آية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وأن أبا بكر وعمر قالا لعلي «بخ بخ هنيئا لك يا علي».

فما فائدة إخفاء عمر لوصية النبي قبل الموت ما دام النبي قد اعلن ذلك وشهد بذلك مئة ألف صحابي؟ ولماذا لم يقل عمر للنبي في غدير خم: حسبنا كتاب الله؟

خامسا: وفي هذه الرواية مفاجآت عديدة:

الأولى: أنه وردت أحاديث تؤكد أن الوصية كانت لأبي بكر. منها ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي e «أراد الوصية لأبي بكر. فعن عائشة قالت « قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (رواه مسلم رقم2387).

وكذلك قول النبي في آخر حياته للمرأة التي جاءته تسأله حاجة قبيل موته بيومين وقالت له: « أرأيت أذا جئت ولم أجدك؟» كأنها تعني الموت، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام «إن لم تجديني فأت أبا بكر» (البخاري3659).

عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان (صحيح سنن أبي داود2403).

فهذه الأحاديث خير شاهد لحديث الباب من أن الوصية إن كانت في موضوع الخلافة فهي في أبي بكر دون علي.

وقد حكى الشافعي إجماع الأمة على أبي بكر. فقال فيما روى البيهقي عنه بإسناده إلى الحسن بن محمد الزعفراني قال: «سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر فاستخلف أبو بكر عمر ثم جعل عمر الشورى إلى ستة على أن يولوها واحدا، فولوها عثمان قال الشافعي: وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله e فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر الصديق فولوه رقابهم» .(معرفة السنن والآثار1/92 للبيهقي تاريخ دمشق30/299 ). فهذا الشافعي يحكي إجماع أمة الإسلام على قبول أبي بكر إماما لأمة الاسلام. ولو كرهت أمة الضرار.

وادعاء الشيعة أن النبي كان يريد موضوع الإمامة دعوى لا دليل عليها. والرافضة يتجاهلون إجماع الصحابة واستقرار رأيهم على أبي بكر. وكأن شأن خير أمم الأرض لا يعنيهم شيئا.

بل إن اختيار أبي بكر كان دليلا على فقه الصحابة لاستحضارهم واستقرائهم لهذا الحديث وغيره مما أكد لهم أفضلية أبي بكر. وأن هذا كان مراد النبي e لأمته من بعده.

المفاجأة الثانية:

تناقض الشيعة. فإنهم اعتقدوا أن عمر كان من بين المهنئين لعلي حين أعلن النبي إمامته في غدير خم. وقال له « بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة». ولكنهم هنا يزعمون أنه كان حريصا على منع النبي من التفوه بالوصية.

ولكن: ما الذي يفيد عمر أن يمنع النبي من كتابة الوصية؟ وكيف قرر الرافضة أن الوصية متعلقة بالوصية؟

ولماذا لم يأمر النبي بكتابتها في وقت آخر في فترة الثلاثة أيام المتبقية من حياته؟ ولماذا لم يكتبها علي؟

المفاجأة الثالثة: أن الشيعة يصرون على الاعتقاد بان عمر منع النبي من كتابة الوصية غير أنه لا يوجد عندهم دليل على معتقدهم هذا من كتبهم، وقد طالبت الشيعة كثيرا بإثبات قول عمر من مصدر مسند عندهم فعجزوا عن أن يفعلوا.

فصار البخاري مصدر تلقي العقيدة عندهم.

المفاجأة الرابعة:

الشيعة الذين لطالما اتهموا عمر رضي الله عنه أنه وصف النبي بالخرف. يروون في أهم كتبهم أن النبي كان في مرض موته لا يفرق بين أقرب المقربين له. فيقف الحسن والحسين أمامه ويمسكا بيده فلا يعرفهما من شدة المرض. حتى اضطر أن يسأل عليا رضي الله عنه يا علي من هما هذان؟