الشَّابُّ الأَمْرَدُ في مَصادِرِ الشِّيعة:
عَقيدَةُ أَصْحابِهِم أَمِ اتِّهامٌ مِنَ الأَئِمَّة؟
مِن خِلالِ تَتَبُّعِ الرِّواياتِ المُعتمَدةِ في كُتُبِ الشِّيعة، يَظهَرُ بوضوحٍ أَنَّ مَسأَلَةَ رُؤيَةِ اللهِ تعالى في صورَةِ "شابٍّ أَمْرَد" وَرَدَت في عددٍ مِن أَهمِّ مَصادِرِهِم، نَذكرُ مِنها:
♦ بِحارُ الأَنوار – العلّامةُ المجلسي (ج ٣ ص ٣٠٧)
♦ تَفسيرُ القمّي – عليّ بنُ إِبراهيم القمّي (ج ١ ص ٢٠)
♦ تَفسيرُ نُورِ الثَّقلَين – الشَّيخُ الحُويزي (ج ٣ ص ١٣٠، ج ٥ ص ١٥٥)
♦ مَجمَعُ البَحرَين – الشَّيخُ الطُّريحي (ج ٢ ص ١١٦)
♦ شَرحُ نَهجِ البَلاغَة – ابنُ أبي الحديد (ج ٣ ص ٢٢٦ - ٢٢٧)
♦ أُصولُ الكافِي (ج ١ ص ١٠١)
♦ بِحارُ الأَنوار – المجلسي (ج ٤ ص ٤٠)
نُصوصُ الرِّوايات: رُؤيَةُ النَّبيِّ لِرَبِّه في صورَةِ شابّ
في رِوايةٍ مَشهورةٍ نَقَلَها المجلسيُّ في "بِحارِ الأَنوار" عن الإمامِ الرِّضا عليه السَّلام، نَقرَأ:
"قالَ لي: يا أَحمد، ما الخِلافُ بَينَكُم وبَينَ أَصحابِ هِشامِ بنِ الحَكَمِ في التَّوحيد؟
فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداك، قُلنا نَحنُ بالصُّورَةِ لِلحديثِ الذي رُوي أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ رَأى رَبَّه في صورَةِ شابٍّ، وقالَ هِشامٌ بنُ الحَكَمِ بالنَّفيِ للجِسم.
فقالَ: يا أَحمد، إِنَّ رسولَ اللهِ ﷺ لَمّا أُسريَ بِهِ إِلى السَّماءِ، وبلَغَ عندَ سِدرَةِ المُنتَهى، خُرِقَ لَهُ في الحُجُبِ مِثلَ سَمِّ الإِبرة، فَرأى مِن نُورِ العَظمةِ ما شاءَ اللهُ أَن يَرى. وأَردتُم أَنتُمُ التَّشبيه؟! دَع هذا يا أَحمد، لا يُنفتَحْ عليكَ مِنهُ أَمرٌ عظيم".
نَفسُ الرِّوايةِ وَرَدَت بألفاظٍ مُتَقارِبَةٍ في:
♦ تفسيرِ القمّي
♦ تفسيرِ نُورِ الثقلَين (في موضعَين)
♦ مَجمَعِ البحرَين
رِواياتٌ أُخرى في رُؤيَةِ اللهِ على هَيئةٍ بَشريَّة
أمّا ابنُ أبي الحديد، فقد ذَكَر في "شَرحِ نَهجِ البَلاغَة" (ج ٣ ص ٢٢٦ - ٢٢٧):
"وقالَ بَعضُهم: إِنَّ اللهَ أَمْرَدُ، جَعْدٌ قَطَطٌ، في رِجلَيهِ نَعْلانِ مِن ذَهَب، وهو في رَوضَةٍ خَضراء، على كُرسيٍّ تَحمِلُهُ المَلائِكة...
وقالَ آخرون: إِنَّهُ يَنزِلُ على حِمار، في صُورَةِ غُلامٍ أَمْرَد، في رِجلَيهِ نَعْلانِ مِن ذَهَب، وعلى وَجهِهِ فَراشٌ مِن ذَهَبٍ يَتطاير".
رِواياتُ أُصولِ الكافِي وبِحارِ الأَنوار – اتِّهامُ أَصحابِ الأَئمَّةِ بالتَّشبيه
في أُصولِ الكافِي وبِحارِ الأَنوار (ج ٤ ص ٤٠) نَقرأ رِوايةً عن إِبراهيمَ بنِ محمدٍ الخَزَّاز، ومُحمدِ بنِ الحُسين، قالا:
"دخلنا على أَبي الحَسنِ الرِّضا عليهِ السَّلام، فَذكَرنا لَهُ ما رُويَ أَنَّ محمدًا رَأى رَبَّهُ في هَيئةِ شابٍّ، مُوافِقٍ في سِنِّ أَبناءِ ثلاثينَ سَنَة، رِجلَاهُ في خُضرَة...
وقُلنا إِنَّ هِشامَ بنَ سالِم، وصاحِبَ الطاقِ، والمِيثَمي، يَقولون: إِنَّهُ أَجوَفُ إِلى السُّرَّة، والباقي صَمَد...".
خُلاصَةٌ وتَعلِيق
يَتَبيَّن مِن هذِهِ الرِّواياتِ أَنَّ عَقيدةَ "رُؤيَةِ اللهِ على هَيئةِ شابٍّ أَمْرَد" كانَت مُنتَشِرَةً بَينَ بَعضِ أَصحابِ الأَئمَّة، كما أَنَّ الأَئِمَّةَ أَنفسَهم – كما في رِواياتِ الرِّضا – أَنكروا هذا التَّشبيه وحَذَّروا مِنه، بل خاطَبَ الإِمامُ أَحدَ أَصحابِهِ قائِلًا:
"دَع هذا يا أَحمد، لا يُنفتَحْ عليكَ مِنهُ أَمرٌ عظيم".
وبِالتّالي، يَتَضحُ أَنَّ التُّهْمَةَ بالتَّشبيهِ – وَفقًا لِهذِهِ الرِّوايات – لَم تَكُن مُوَجَّهَةً إِلى خُصومِ الشِّيعةِ أَو مُخالِفيهم، وإِنَّما إِلى بَعضِ تَلاميذِ الأَئمَّةِ أَنفسِهم، كأَصحابِ هِشامِ بنِ الحَكَم، وهِشامِ بنِ سالم، والمِيثَمي وغيرِهم.