ورد في الصحيحين حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو من أعظم الأحاديث التي تبين فضل الأعمال الصالحة ومكانة أصحابها عند الله يوم القيامة. غير أن بعض الناس قد وقعوا في إشكال في فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "في ظله"، فظنوا أن المراد به ظل ذات الله سبحانه وتعالى، فكان ذلك من الغلط البين الذي أنكره أئمة أهل السنة والجماعة، وبينوا أن هذا المعنى غير مراد في الحديث؛ إذ يستلزم لوازم باطلة لا تليق بجلال الله سبحانه، كأن تكون الشمس فوق الله عز وجل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقد فسر العلماء الحديث ببيان أن المقصود بالظل هو ظل العرش، كما جاء مفسراً في روايات صحيحة أخرى كحديث سلمان عند سعيد بن منصور، وأحاديث في مسند الإمام أحمد وغيره. ونقل الحافظ ابن حجر، وابن رجب، والطحاوي، واللجنة الدائمة للإفتاء، وغيرهم أن المراد بالظل في الحديث هو ظل العرش أو الكرامة والحماية الإلهية الخاصة، وهو التفسير الأصح الموافق للنصوص الأخرى وللقواعد العقدية الصحيحة.

أما ما ورد عن الإمام ابن باز رحمه الله من إثبات الظل لله تعالى على أنه صفة من صفاته، فهذا محمول على منهج السلف في إثبات الصفات دون تكييف أو تمثيل، لكنه رأي مرجوح عند جمهور المحققين من العلماء، الذين رجحوا أن الظل المذكور في الحديث هو ظل العرش، جمعاً بين الأدلة وتفسيراً للسياق الشرعي .

قال الامام ابن عثيمين:

 "ونحن لا نتكلم على ما ساق المؤلف الحديث من أجله؛ لأن هذا سبق لنا وقد شرحناه فيما مضى، ولكن نتكلم على مسألة ضل فيها كثير من الجهال، وهي قوله: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) حيث توهموا جهلاً منهم أن هذا هو ظل الله نفسه، وأن الله تعالى يظلهم من الشمس بذاته عز وجل، وهذا فهم خاطئ منكر، يقوله بعض المتعالمين الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة إجراء النصوص على ظاهرها فيقال أين الظاهر؟! وأين يكون ظاهر الحديث وأن الرب جل وعلا يظلهم من الشمس؟! فإن هذا يقتضي أن تكون الشمس فوق الله عز وجل، وهذا شيء منكر لا أحد يقول به من أهل السنة، لكن مشكلات الناس ولاسيما في هذا العصر؛ أن الإنسان إذا فهم؛ لم يعرف التطبيق، وإذا فهم مسألة؛ ظن أنه أحاط بكل شيء علماً.

والواجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، وألا يتكلم ـ لا سيما في باب الصفات ـ إلا بما يعلم من كتاب الله سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الأئمة.

فمعنى ((يوم لا ظل إلا ظله)) أو ((يظلهم الله في ظله)) يعني الظل الذي لا يقدر أحد عليه في ذلك الوقت؛ لأنه في ذلك الوقت لا بناء يبنى، ولا شجر يغرس، ولا رمال تقام، ولا أحجار تصفف، ولا شيء من هذا. قال الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ [طه: 105، 107]"

شرح رياض الصالحين – محمد بن صالح العثيمين - ج 3 ص 361 – 362

وكلام الامام ابن عثيمين مبني على الادلة، وذلك لورود الظل في بعض الروايات للعرش.

 ففي شرح مشكل الاثار للطحاوي:

 "5845 - وَوَجَدْنَا فَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ أَبِي أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ................ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا الْمُرَادُ بِهِ؟ فَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مَا هُوَ؟ وَهُوَ قَوْلُهُ: يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الظِّلَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ ظِلُّ عَرْشِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ رُوِيَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الظِّلِّ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: 30] "

شرح مشكل الاثار – ابو جعفر احمد بن سلامة الطحاوي – ج 15 ص 170 – 172

قال الامام ابن حجر:

 "قَوْلُهُ فِي ظِلِّهِ قَالَ عِيَاضٌ إِضَافَةُ الظِّلِّ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ مِلْكُهُ كَذَا قَالَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ لِلْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا مِلْكُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِظِلِّهِ كَرَامَتُهُ وَحِمَايَتُهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ الْمَلِكِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَوَّاهُ عِيَاضٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلْمَانَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ ظِلَّ الْعَرْشِ اسْتَلْزَمَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَهُوَ أَرْجَحُ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بن الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ ظِلُّ طُوبَى أَوْ ظِلُّ الْجَنَّةِ لِأَنَّ ظِلَّهُمَا إِنَّمَا يحصل لَهُم بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ لِجَمِيعِ مَنْ يَدْخُلُهَا وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى امْتِيَازِ أَصْحَابِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ فَيُرَجَّحُ أَنَّ الْمُرَادَ ظِلُّ الْعَرْشِ"

 فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 2 ص 144

وفي مسند الامام احمد:

"8711 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1]"

وفي فتاوى اللجنة الدائمة:

س: ما المراد بالظل المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» الحديث.

ج: المراد بالظل في الحديث:

هو ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى، كما جاء مفسرا في حديث سلمان رضي الله عنه في (سنن سعيد بن منصور)، وفيه: «سبعة يظلهم الله في ظل عرشه» الحديث. حسن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في (الفتح 2\ 144).

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "الفتوى رقم (19939)

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: في آخر شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري 6\51) ما نصه: (وخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة». وهذا يدل على أن المراد بظل الله: ظل عرشه.

وقد أشار ابن القيم رحمه الله تعالى في (الوابل الصيب) وفي آخر كتابه (روضة المحبين) إلى هذا المعنى.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء....

عضو... عضو... عضو... نائب الرئيس... الرئيس

بكر أبو زيد... صالح الفوزان... عبد الله بن غديان... عبد العزيز آل الشيخ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز"

فتاوى اللجنة الدائمة – ج 2 ص 285 – 287

واما ما ورد من كلام الامام ابن باز في اثبات الظل لله تعالى كما في فتاواه:

س: في حديث السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل يوصف الله تعالى بأن له ظلا؟

ج: نعم كما جاء في الحديث، وفي بعض الروايات «في ظل عرشه» لكن في الصحيحين "في ظله"، فهو له ظل يليق به سبحانه لا نعلم كيفيته مثل سائر الصفات، الباب واحد عند أهل السنة والجماعة والله ولي التوفيق "

مجموع فتاوى ابن باز - ج 28 ص 402

فنقول ان الامام ابن باز قد جعل مفهوم الحديث على اثبات الظل لله تعالى، كإضافة صفة الى موصوف لا اضافة تشريف، فنقول ان فهم الحديث على اضافة الظل الى الله تعالى على انها اضافة صفة الى موصوف فهم مرجوح، ولقد بينا من كلام العلماء ومن ضمنهم كلام الامام ابن باز رحمه الله ان الظل يكون للعرش، هذا من ناحية الفهم للحديث، وأما كلام الامام ابن باز بجعل صفات الله تعالى بما يليق به سبحانه وتعالى فهو كلام صحيح، ومتين، ولا يلزم من اثبات الصفات الالهية اثبات لوازم صفات المخلوق لها..

 

[1] إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير داود بن قيس -وهو الفراء- فمن رجال مسلم " مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 14 ص 329