الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالهدى ودين الحق، وعلى آله وصحبه أجمعين.

من الأحاديث العقدية التي أولى لها العلماء عناية بالبحث والتمحيص ما ورد في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: 71]، وما تضمنته من ذكر التجلي الإلهي يوم القيامة وضحك الرب عز وجل. وقد وردت هذه الرواية بأسانيد متعددة: منها ما أخرجه أحمد والدارقطني ومسلم وغيرهم، وبين الرواة الثقات وبين من في حفظه ضعف كـ ابن لهيعة.

من مقالات السقيفة ذات صلة:

الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

أصول أهل السنة والجماعة في الصفات

شبهة: إن الله لا يُرى، بل الذي يُرى هو (النور) والرد عليها
وقد تناول الأئمة هذا الحديث بالنقد والتمحيص، فبحثوا في زيادة "حتى تبدو لهواته وأضراسه" هل هي محفوظة أم شاذة، وناقشوا اختلاف الرواة كروح بن عبادة، وإسحاق بن منصور، وأبي عاصم، وحجاج بن محمد. وقد خلص النقاد إلى أن أصل الحديث ثابت في التجلي والضحك، أما الزيادة فمحل خلاف، والأرجح أنها موقوفة على فعل النبي ﷺ لا مرفوعة إلى الله تعالى.

الدار قطني - الرؤية - ذكر الرواية عن جابر

 46 - حدثنا: أبوبكر النيسابوري، حدثني: عبد الله بن أحمد بن حنبل (ر)، حدثني: أبي، حدثنا: روح، حدثنا: إبن جريج، أخبرني: أبو الزبير، أنه سمع جابراًً، يسأل عن الورود ؟، فقال: نحن يوم القيامة على كذا وكذا إنظر - أي ذلك فوق الناس - قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا عز وجل بعد ذلك، فيقول: من تنتظرون ؟ فنقول: ننتظر ربنا عز وجل، فيقول عز وجل: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم تبارك وتعالى يضحك سمعت النبي (ص): يقول: حتى تبدو لهاته، وأضراسه.

من مقالات السقيفة ذات صلة:

إلزام: إسماعيل لم يكن هو إسماعيل!!!

حجرة السيدة عائشة اطهر بقعه على وجه الأرض بإعتراف الشيعة

الحر العاملي ( لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) 

 قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه على جسر جهنم وعليه كلاليب، وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجوا المؤمنون، فينجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون الفاً لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من خير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

2751 - " نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك،

فيتبعونه ".

أخرجه أحمد (3 / 345) والدارمي في " الرد على الجهمية " (ص 58) من طريق ابن لهيعة

 عن أبي الزبير قال:

سألت جابرا رضي الله عنه عن الورود؟

فأخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه قد ضعف من قبل حفظه، ولكن هذا الحديث مما حفظه، لأنه قد تابعه عليه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به، إلا أنه لم يصرح برفعه، لكن له حكم الرفع كما هو ظاهر، لاسيما وقد صرح برفعه في بعض الطرق عنه، وفي غيرها كما يأتي.

وقد رواه عنه ثلاثة من الثقات:

 الأول: أبو عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة ثبت - قال: حدثنا ابن جريج به موقوفا، لكنه قال في آخره: ".

قال: فيتجلى لهم - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يضحك ".

أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 139). وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

 الثاني: حجاج بن محمد عن ابن جريج به موقوفا. أخرجه أبو عوانة، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (ص 48) بإسنادهما الصحيح عنه. الثالث: روح بن عبادة، ورواه عنه جمع: أولهم: الإمام أحمد، فقال: حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به.

أخرجه في " المسند " (3 / 383) وفي " السنة " (ص 47) ومن طريقه ابن منده في " الإيمان " (3 / 802 - 803) وابن أبي عاصم في " السنة " (47 - 48) واللالكائي في " الشرح " (3 / 482 / 835). وثانيهم: إسحاق بن منصور وهو ابن بهرام - من تلامذة الإمام أحمد، وهو ثقة من رجال الشيخين، فقال مسلم في " صحيحه " (1 / 122): حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح به.

 وثالثهم: عبيد الله بن سعيد - وهو اليشكري - ثقة مأمون. أخرجه

مسلم في رواية مسلم المذكورة آنفا. وثلاثتهم اتفقوا على قوله: " فيتجلى لهم يضحك "، لكن اختلف فيه على إسحاق بن منصور، فرواه مسلم عنه هكذا وتابعه محمد بن نعيم ومحمد بن شاذان قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به. أخرجه ابن منده (3/ 804) من طريق محمد بن يعقوب الشيباني عنهما. والشيباني هذا هو ابن الأخرم، وهو ثقة حافظ مترجم في " تذكرة الحفاظ " وغيره.

 وخالفه علي بن محمد عن محمد بن نعيم: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه زاد: " وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حتى تبدو لهواته وأضراسه ". أخرجه ابن منده عقب رواية ابن الخرم، وقال: " ولم يذكر من تقدم هذا ".

قلت: يشير إلى أن هذهالزيادة منكرة أو شاذة على الأقل لتفرد علي بن محمد بها، وهو علي بن محمد بن نصر، فإنه فيه بعض اللين كما في " تاريخ بغداد " (12 / 76) و " الميزان " لاسيما وقد زادها على الحافظ ابن الأخرم، وقد أشار صاحبنا الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في تعليقه على " الإيمان " إلى تفرد علي بن محمد بن نصر هذا بهذه الزيادة، وإلى ما فيه من اللين، ولكنه قد فاته أنه قد توبع، فقال أبو عوانة (1 / 139): وحدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل وأحمد أخي قالا:

حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه قال: " أو أضراسه ". قلت: أحمد أخو أبي عوانة لم أعرفه، لكن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثقة مشهور، وبذلك تبرأ ذمة ابن نصر من مسؤولية هذه الزيادة، ويتبين أنها محفوظة عن إسحاق بن منصور، برواية عبد الله بن أحمد وقرينه عنه، لكن ذلك مما لا يجعل النفس تطمئن لكونها محفوظة في الحديث، وذلك لما يأتي:

 أولا: أن مسلما رواه عن إسحاق بدون الزيادة كما تقدم.

 ثانيا: أنه قد خالفه الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد فروياه عن روح بن عبادة دون الزيادة كما سبق، واثنان أحفظ من واحد، لاسيما وأحدهما أحمد، وهو جبل في الحفظ، وبخاصة أن إسحاق قد وافقهما في رواية مسلم عنه.

 ثالثا: أننا لو سلمنا أن إسحاق قد حفظها عن روح بن عبادة، ولم تكن وهما لامنه عليه، فإن مما لا شك فيه، أن رواية من رواه عن روح بدونها أرجح، لموافقتها لرواية الثقتين الأولين أبي عاصم وحجاج بن محمد الخالية من الزيادة.

رابعا: أنني وجدت للحديث طريقا أخرى عن جابر فيها بيان أن هذه الزيادة موقوفة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فقد أخرج الآجري في " الشريعة " (ص 282) من طريق وهب بن منبه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الورود قال: " فيتجلى لهم ربهم عز وجل يضحك ".

قال جابر:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو لهواته.

قلت: وإسناده حسن، وفيه بيان خطأ رواية من روى عن إسحاق رفع بدو اللهوات، وأن الصواب فيه الوقف يقينا. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة نحوه مضى تخريجه برقم (756) ولجملة تجليه تعالى ضاحكا شواهد، منها عن أبي موسى الأشعري تقدم أيضا برقم (755).

وقد أخرجها الدارقطني في " النزول " (48 / 33) من طريق يحيى بن إسحاق أبي زكريا السيلحيني: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير بسنده المتقدم. ويحيى هذا قال الحافظ: (2 / 420): " هو من قدماء أصحاب ابن لهيعة ".

سلسلة الاحاديث الصحيحة للامام الالباني ج 6 ص 576