الصحابة والرواة بين السنة والشيعة

(أربع الالاف ثقة من أصحاب الصادق لا يعرفونهم)

إِنَّ مَسْأَلَةَ الصَّحَابَةِ وَالرُّوَاةِ مِمَّا دَارَ فِيهِ الْجَدَلُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُخَالِفِينَ مِنَ الرَّوَافِضِ، فَالسُّنَّةُ يُقِرُّونَ بِعَدَالَةِ آلَافٍ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَرَضَّوْنَ عَنْهُمْ، لِمَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ فِي فَضْلِهِمْ وَثَنَاءِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ. 

 أَمَّا الرَّوَافِضُ فَقَدِ احْتَجُّوا بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ فِي كِتَابِهِ «الْإِرْشَادِ» أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ قَدْ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الرُّوَاةِ عَنِ الْإِمَامِ جَعْفَرِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنَ الثِّقَاتِ. وَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ نَقَلَهُ الْمُفِيدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا سَنَدُهُ بِالتَّحْقِيقِ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ، مِمَّا جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ مَحَلَّ نِزَاعٍ.

 اخترنا لكم من السقيفة:

 وَفِي الْمُقَابِلِ يَذْكُرُ الْإِمَامِيَّةُ مَا يُعْرَفُ بِـ «الْأُصُولِ الْأَرْبَعِمِائَةِ» الَّتِي جَمَعَهَا أَصْحَابُ الْأَئِمَّةِ وَرَوَوْا عَنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَبِيرُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهَا فُقِدَتْ بَيْنَ الْحَرَائِقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْإِهْمَالِ، وَلَكِنْ بَقِيَ بَعْضُهَا عِنْدَ الْمَشَايِخِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ.

فَالنِّزَاعُ هُنَا يَدُورُ عَلَى مَبْدَإِ التَّوْثِيقِ وَاعْتِمَادِ الْأَخْبَارِ، وَمَا إِذَا كَانَ النَّقْلُ بِغَيْرِ إِجَازَةٍ يَنْقُضُ الْحُجِّيَّةَ، أَمْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ ثُبُوتُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ. وَهَكَذَا يَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَسْتَشْهِدُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ نُصُوصٍ لِتَدْعِيمِ مَنْهَجِهِ فِي التَّوْثِيقِ وَالْعَدَالَةِ.

يَعْتَرِضُ عَلَيْنَا الرَّافِضَةُ بِأَنَّنَا نَقُولُ:

آلَافٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ الْعُدُولِ وَنَتَرَضَّى عَنْهُمْ!

 اقرء أيضًأ:

 

قَالَ الْمُفِيدُ فِي الْإِرْشَادِ:

"إِنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ قَدْ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الرُّوَاةِ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، مِنَ الثِّقَاتِ، فَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ". وَهَذَا الْقَوْلُ خَبَرٌ، وَخَبَرُ الْمُفِيدِ حُجَّةٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُمْ فِي عِلْمِ الرِّجَالِ.

نَعَمْ، لِأُولَئِكَ الرُّوَاةِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أُصُولٌ تُسَمَّى "الْأُصُولَ الْأَرْبَعَمِائَةَ".

 وَتِلْكَ الْأُصُولُ كَانَتْ مُعْتَمَدًا عَلَيْهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعَاظِمِ، وَحَلَّتِ الْكُتُبُ الْحَدِيثِيَّةُ، نَظِيرَ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ، مَحَلَّ تِلْكَ الْأُصُولِ. وَتِلْكَ الْأُصُولُ ذَهَبَتْ أَعْيَانُهَا وَفُقِدَتْ، إِمَّا بِالْحَرْقِ وَإِمَّا بِالسَّرِقَةِ وَإِمَّا بِالْإِهْمَالِ.

وَلَكِنَّ تِلْكَ الْأُصُولَ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْمَشَايِخِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا كَانَ بَعْضُهَا عِنْدَ الْحِلِّيِّ صَاحِبِ "السَّرَائِرِ"، وَنَقَلَ عَنْ تِلْكَ الْأُصُولِ مَجْمُوعَةً مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي "الْمُسْتَطْرَفَاتِ"، وَعِنْدَ الشَّهِيدِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَقِّقِ الْأَوَّلِ وَالشَّهِيدِ الثَّانِي وَغَيْرِهِمْ، وَنَقَلُوا عَنْهَا الرِّوَايَاتِ وَأَفْتَوْا بِهَا.

وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِانْقِطَاعِ السِّلْسِلَةِ، وَأَنَّهُمْ رَوَوْا مِنْ دُونِ إِجَازَةٍ، فَفِيهِ: أَنَّ الْإِجَازَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ التَّيَمُّنِ بِاتِّصَالِ الْأَسَانِيدِ.

 فَكَمَا أَنَّا نَنْقُلُ الرِّوَايَةَ مِنَ "الْكَافِي" وَغَيْرِهِ لِثُبُوتِهَا بِنَقْلِ الثِّقَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ، فَكَذَلِكَ الْحِلِّيُّ الثِّقَةُ أَوِ الشَّهِيدُ الثِّقَةُ، يَنْقُلُونَ الرِّوَايَةَ مِنَ الْأَصْلِ الْوَاحِدِ أَوِ الْأُصُولِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَقَدْ عَلِمُوا بِكَوْنِ الْكِتَابِ أَصْلًا مِنَ الْأُصُولِ الْأَرْبَعِمِائَةِ، بِنَفْسِ الطَّرِيقِ الَّذِي عَلِمْنَا بِهِ أَنَّ "الْكَافِي" مِنَ الْكُلَيْنِيِّ، فَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ.

المصدر: الثقات الأخيار من رواة الأخبار، ص29، حسين المظاهري.