هل استباح يزيد بن معاوية المدينة؟ بين الحقيقة والافتراء

تُعدّ معركة الحرّة وما نُسب ليزيد بن معاوية رضي الله عنه من أخطر القضايا التي تناولها المؤرخون والباحثون، حيث ادّعى بعضهم أنّه أباح المدينة ثلاثة أيام، فانتُهكت الأعراض وقُتل الأبرياء. وهذه الروايات التي شاع ذكرها في كتب الأدب والتاريخ كثير منها لا يثبت سنداً ولا متناً، وقد استغلّها خصوم بني أمية للطعن في يزيد وتشويه صورته أمام الأمة. وفي هذا المقال نسلّط الضوء على أسباب خروج أهل المدينة على يزيد، ثم نناقش أهم الروايات التي اعتمد عليها من روّج لتهمة استباحة المدينة، مع بيان أقوال العلماء في ضعفها وتهافتها، لنخلص إلى أنّها لا تصح بحال، وأنّ ما رُوّج من أكاذيب وأباطيل إنما هو من وضع الرواة الشيعة والمتروكين.

سبب خروج أهل المدينة على يزيد:

•  غلبة الظن عند البعض بأن بالخروج تتحقق المصلحة المرجوّة، وتعود الشورى إلى حياة المسلمين، ويتولى أمرهم أفضلهم.

 

 

 

 

 عدم علم بعضهم بالنصوص النبوية الصريحة التي تنهى عن الخروج على الأئمة.

•  قال القاضي عياض عن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف:

"الخلاف في جواز الخروج أو عدمه كان أولاً، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، والله أعلم".

ومن المعلوم أن أهل الحرّة كانوا متأوّلين، والمتأوّل المخطئ مغفور له بنصوص الكتاب والسنة، إذ لم يريدوا إلا الخير لأمتهم. قال العلماء:

"إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة".

لكن خروجهم لا يُحمد، كما لم يُحمد قتال عليٍّ وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم رغم عظيم قدرهم وصدق نياتهم.

موقف يزيد:

كان يرى أنّه الإمام الشرعي، وأنّ الخارجين عليه فرّقوا جماعة المسلمين، فوجب قتاله لهم، كما قال عليّ رضي الله عنه:

"لو أنّ رجلاً ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه".

دعوى إباحة المدينة:

انتشرت روايات تزعم أن يزيد أباح المدينة لجنوده ثلاثة أيام، فقتلوا الرجال، وسبوا الذرية، وانتهكوا الأعراض. وهذه روايات باطلة لم يثبت منها شيء. فلم يذكرها أهم المؤرخين كالطبري والبلاذري وخليفة بن خياط وابن سعد. بل إنّ الطبري نفسه صرّح في مقدمة تاريخه أنه يروي الأخبار بأسانيدها، وأن ما لا يصح فالمسؤولية فيه على ناقله.

•  أمّا ما ثبت، فهو أن يزيد قاتل أهل المدينة ونهب بعض الأموال. قال الإمام أحمد لما سُئل عن يزيد:

"هو فعل بالمدينة ما فعل. قلت: وما فعل؟ قال: قتل أصحاب رسول الله ﷺ ونهبها".

لكن القول بالاستباحة المطلقة يحتاج إلى إثبات صحيح لم يرد. وقد ناقش عدد من الباحثين المعاصرين هذه الروايات كالدكتور نبيه عاقل، والدكتور حمد العرينان، وغيرهما، وخلصوا إلى بطلانها.

أهم مصادر الروايات الضعيفة:

•  الواقدي: متروك الحديث.

•  أبو مخنف: شيعي محترق، ضعيف عند جميع النقاد.

•  هشام الكلبي: إخباري ضعيف، كثير النقل عن الشيعة.

مناقشة الروايات المزعومة:

•  رواية المدائني عن ولادة ألف مولود سفاحاً: لا تصح، وفيها رواة مجهولون ومتهمون.

•  رواية البيهقي عن افتضاض ألف عذراء: مرسلة وضعيفة.

•  رواية ابن الجوزي عن امرأة أنجبت من جندي شامي: منقطعة ومعلولة.

•  رواية البيت الشعري المنسوب ليزيد: باطلة، وهو بيت قاله ابن الزبعري يوم أحد.

النتيجة:
لم تثبت أي رواية صحيحة تُدين يزيد باستباحة المدينة أو هتك أعراضها. وما صحّ هو وقوع قتال ونهب لبعض الأموال، وهذا من كبائر الذنوب لا من الكفر، وقد كان بتأويل، والله أعلم.

الخاتمة

إنّ من أخطر ما يصيب الأمة أن تُبنى الأحكام على روايات واهية وضعيفة، سيّما إذا تعلّق الأمر بتاريخ الصحابة والتابعين وأحداث القرن الأول الهجري. فالتاريخ أمانة، ونقل الأخبار مسؤولية. وما أُلصق بيزيد من جرائم لم يثبت منها شيء بإسناد صحيح، وإنما كان من وضع المغرضين والرافضة، فصار يُردّد عبر القرون حتى ظنه البعض حقيقة. والواجب أن نزن الأخبار بميزان العلم والعدل، لا بالعاطفة والهوى.