لا تزال واقعة كربلاء من أعظم الفتن التي جرت في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد استغلّها أعداء الإسلام وخصوم الدولة الأموية في تشويه الحقائق، وإلصاق التهم بيزيد بن معاوية رضي الله عنه، حتى صار في نظر الكثيرين المسؤول الأول عن مقتل الحسين رضي الله عنه. غير أنّ التحقيق العلمي والرجوع إلى المصادر المعتبرة، بل وإلى كتب الشيعة أنفسهم، يكشف أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولم يُرِد ذلك، كما أنّ القتلة الحقيقيين كانوا من شيعة الكوفة الذين كاتبوا الحسين وخذلوه، ثم حملوا السيوف ضده. وفي هذا المقال نعرض الحقائق موثقة، ونبيّن براءة يزيد من دم الحسين، كما نقارنها ببراءة سيدنا علي من دم الزبير رضي الله عنه، ليتضح أن العدل والإنصاف يقتضيان ردّ الظلم عن الصحابة والخلفاء.
وكذلك الحسين رضي الله عنه لم يُقتَل بأمرٍ من يزيد، بل إن يزيد بن معاوية لم يكن يريد قتل الحسين، وهذا كما ورد في كتب الشيعة على لسان الإمام علي بن الحسين رضي الله عنهما.
نص من كتاب الاحتجاج:
احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما أُدخل عليه:
السقيفة ذات صلة: |
عند الشيعة الرسول ذهب عقله كاد عقلة أن يطير علي رضي الله عنه يعطل حد اللواط في كتب الرافضة |
روت ثقات الرواة... ثم قال له علي بن الحسين عليه السلام: "يا يزيد، بلغني أنك تريد قتلي، فإن كنت لا بد قاتلي، فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله ﷺ". فقال له يزيد لعنه الله: "لا يؤديهن غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فوالله ما أمرته بقتل أبيك، ولو كنت متولياً لقتاله ما قتلته"، ثم أحسن جائزته، وحمله والنساء إلى المدينة.
إذن، يزيد لم يأمر ولم يُرِد مقتل الحسين، مثلما لم يأمر ولم يُرِد سيدنا علي مقتل الزبير.
فالذي قتل الزبير هو عمرو بن جرموز، وكان من شيعة علي.
والذي قتل الحسين هو شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي، وهما من رؤوس الشيعة أيضاً.
خذلان الشيعة للحسين:
لقد كاتب الشيعةُ الحسينَ للقدوم إليهم، ثم خذلوه وغدروا به، حتى ذكر هو ذلك بنفسه:
أخرج الحسين إلى الناس كتاباً فيه: «أمّا بعد: فقد أتانا خبر فظيع، قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، فليس عليه ذمام» (إعلام الورى).
دعاء الإمام الحسين على شيعته:
قال الحسين رضي الله عنه في دعائه:
«اللهم إن متعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا»
(الإرشاد للمفيد ص241، إعلام الورى للطبرسي ص949، كشف الغمة).
قاتل الحسين: شمر بن ذي الجوشن:
شمر بن ذي الجوشن – واسمه شرحبيل بن قرط الضبابي الكلابي – من كبار قتلة الحسين وأشدهم عداوة له. شارك في صفين مع علي رضي الله عنه، ثم انقلب فكان رأساً في الكوفة. وقد ذكر المؤرخون نهايته المخزية، حيث قتله رجال المختار وألقوا جثته للكلاب
(الكامل في التاريخ 4/92، البداية والنهاية 7/270).
شعر أحد قتلة الحسين (زحر بن قيس الشيعي)
قال زحر بن قيس – وهو من شيعة علي وحضر معه الجمل وصفين ثم قاتل الحسين:
فصلّى الإله على أحمدٍ *** رسول المليك تمام النِّعَم
رسولٌ نبيٌّ ومن بعده *** خليفتُنا القائمُ المدعَم
عنيتُ عليًّا وصيَّ النبي *** يجالدُ عنه غواةَ الأُمَم
ثم كانت له خاتمة سوء يوم كربلاء.
(في رحاب أئمة أهل البيت ج1 ص9، محسن الأمين).
شبث بن ربعي: من كاتب الحسين إلى قاتله:
شبث بن ربعي كان من الذين كتبوا إلى الحسين يدعونه للقدوم، ثم خرج مع جيش الكوفة محارباً له. وقد خاطبه الحسين يوم عاشوراء قائلاً:
«يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا لي أن أينعت الثمار واخضر الجناب...؟»
(الإرشاد للمفيد).
وكان شبث من المشاركين في الفتنة على الخليفة عثمان رضي الله عنه.
خطبة زينب وتحميلها الشيعة ما حدث:
جاء في خطبة زينب بنت علي رضي الله عنهما أمام أهل الكوفة:
«يا أهل الكوفة، يا أهل الخَتَل والغدر والخِذل! ... أما تبكون أخي؟! أجل والله فابكوا، فإنكم أحرى بالبكاء، فقد أبليتم بعارها، ومنيتم بشنارها، ولن ترحضوا أبداً. وإنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة وسيد شباب أهل الجنة؟!»
وقد أكد زين العابدين رضي الله عنه في ذلك الموقف:
«إن هؤلاء يبكون علينا، فمن قتلنا غيرهم؟».
الخلاصة
يتبين مما سبق أنّ يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين، ولم يُرِد ذلك، بل القتلة الحقيقيون هم من شيعة الكوفة الذين غدروا بالحسين بعد أن دعوه. كما أنّ نسبة دم الحسين إلى يزيد زور وبهتان، مثلما لا يُنسب دم الزبير إلى علي رضي الله عنه. وهكذا فإنّ العدل والإنصاف يقتضيان ردّ التهم الباطلة، وبيان الحقيقة كما جاءت في المصادر.