يتعرض بعض أصحاب الأهواء للطعن في أصحاب رسول الله ﷺ من خلال روايات باطلة، أرادوا بها تشويه صورتهم والحط من مكانتهم بين المسلمين. ومن أبرز ما نُسب زوراً وبهتاناً إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، دعوى أنه ارتج عليه في أول خطبة له بعد توليه الخلافة، حتى صُوِّر في بعض المصادر على أنه رجل عييٌّ ضعيف البيان، وهذا افتراء واضح لا يليق بمقامه، وهو القرشي الفصيح، وصاحب البلاغة والبيان، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، والخليفة الراشد الثالث. هذا المقال يستعرض تلك الروايات المكذوبة ويبين بطلانها بالاعتماد على المصادر الموثوقة وكلام أهل العلم.

كذبه على أصحاب محمد ﷺ:

كذبه على أمير المؤمنين ذي النورين رضي الله عنه:

ذكروا أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما ولي الخلافة قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم أُرتج عليه فقال:

«أيها الناس: إن أول مركب صعب، وإن أعش فستأتيكم الخُطب على وجهها، وسيجعل الله بعد عسر يسراً».

العقد الفريد (4/156-157).

وذكرها في موضع آخر من "العقد" تحت هذا العنوان: من أُرتج عليه في خطبته، وقال:

«أول خطبة خطبها عثمان بن عفان أُرتج عليه».

العقد الفريد (4/231).

وأوردها الجاحظ المعتزلي في "البيان والتبيين" بصيغة أخرى فقال:

«وصعد عثمان المنبر فأرتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يُعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب، وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله تعالى».

البيان والتبيين (1/324).

والعجيب أن هؤلاء القصاصين لا يروون لعثمان رضي الله عنه غير هذه الخطبة التي يتهمونه فيها بأنه عييٌّ غير بليغ، حَصِرٌ غير خطيب! وحاشا أمير المؤمنين ذلك، وهو من أشراف قريش، ملوك الفصاحة والبيان. فأين خطبه الرنانة التي صدع بها في زمن خلافته التي امتدت سنين؟!

رد أهل العلم على هذه الروايات:

هذا الخبر باطل، وعثمان رضي الله عنه منه براء، ويدل على بطلانه أمران:

أولاً: ما رواه ابن كثير رحمه الله تعالى:

(...وأما أول خطبة خطبها بالمسلمين، فروى سيف بن عمر بن بدر بن عثمان عن عمه قال: لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر النبي ﷺ فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ وقال:

إنكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم صبِّحتم أو مُسيتم، ألا وإن الدنيا طُويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور. واعتبروا بمن مضى ثم جدّوا ولا تغفلوا، أين أبناء الدنيا وإخوانهم الذين أثاروها وعمّروها ومُتّعوا بها طويلاً؟ ألم تلفظهم؟!

ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة، فإن الله قد ضرب لها مثلاً بالذي هو خير، فقال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ۝ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: 45-46].

قال: وأقبل الناس يبايعونه).

البداية والنهاية (7/159).

ثانياً: تعليق ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكر الخطبة:

«وما يذكره الناس من أن عثمان لما خطب أُرتج عليه فلم يدر ما يقول حتى قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها، فهو شيء يذكره صاحب "العقد" وغيره ممن يذكر طرف الفوائد، ولكن لم أرَ هذا بإسناد تسكن النفس إليه، والله أعلم».

البداية والنهاية (7/159).

الخلاصة:

فهل تصدر هذه الخطبة البليغة من رجل عيي؟! أم أنّها تهمة ألصقها بعض المغرضين للنيل من مكانة الخليفة الراشد؟!

إن المتأمل يجد أن ما نُقل عن عثمان رضي الله عنه من خطب عظيمة ومواعظ بليغة، يثبت بطلان تلك الروايات، ويكشف أنّها مجرد محاولة للتشويه والطعن في الصحابة، وهيهات أن ينالوا من مقامهم.