كذبه على الصحابي الجليل حسان رضي الله عنه:

ذكروا أن حسان بن ثابت رضي الله عنه ـ شاعر الأمة والمنافح عن الرسالة ـ بكى حين سمع قينةً تغني لأنها شوقته لحياته الجاهلية، حيث جاء في الرواية:

«عن الأصمعي قال: شهد حسان بن ثابت مأدبةً لرجل من الأنصار وقد كُفَّ بصره ومعه ابنه عبد الرحمن، فكلما قُدِّم شيء من الطعام قال حسان لابنه عبد الرحمن: أطعامُ يدٍ أم طعامُ يدَين؟

فيقول له: طعام يدٍ، حتى قُدِّم الشواء.

فقال له: هذا طعام يدَين، فقبض الشيخ يده.

فلما رُفع الطعام اندفعت قينةٌ تغنيهم بشعر حسان:

انظر خليلي بباب جلّق هل *** تبصرْ دون البلقاء من أحدِ
جمالُ شعثاء إذا هبطن من الـ *** محبس بين الكثبان فالسندِ

قال: فجعل حسان يبكي، وجعل عبد الرحمن يومئ إلى القينة أن تردد!
قال الأصمعي: فلا أدري ما الذي أعجب عبد الرحمن من بكاء أبيه».

العقد الفريد (7/7).

فانظر لهذه الكذبة ما أقبحها! أيعقل أن حسانًا رضي الله عنه يستمع للغناء بعد كل هذه المواقف التي حضرها مع النبي ﷺ؟! والأدهى من ذلك أنها في بيت رجل من الأنصار!

كذبه على ابن عمر رضي الله عنهما:

ونُقل عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه شرب الخمر فحُدَّ، قال صاحب "العقد":

«ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، شرب بمصر فحدَّه عمرو بن العاص سرًّا، فلما قدم على عمر جلده حدًّا آخر علانية».

العقد الفريد (8/62).

أسألكم بالله، أيصدر هذا الفعل ممَّن كان متمسكًا بسنة المصطفى ﷺ أشد التمسك، وكان يتتبع آثاره ويصلي في المواضع التي صلى فيها؟!

أيفعل هذا مَن كان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به وجاد به قربةً لله عز وجل؟!

أيصدر هذا السلوك المشين ممَّن مكث ستين سنة يفتي المسلمين، وكان عمره يوم وفاة الرسول ﷺ اثنتين وعشرين سنة، ومنها إلى أن تُوفي وهو في جهاد ودعوة؟!

أيصدر هذا الفعل ممن روى أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ وعن جِلّة الصحابة رضي الله عنهم؟!

ولكن سبحان من يهب لمن يشاء عقولًا!

انظر ترجمته في: 📚 البداية والنهاية (9/8).

وقد ذُكر أنه شرب الخمر كما هو مشهور في كتب الأدب، لكن أهل العلم بيّنوا بطلان هذه الرواية، إذ يستحيل أن تصدر من مثل هذا الصحابي الجليل.

إضافة مفيدة على المسألة:

المقصود من الكاتب ابن عبد ربه في "باب من شرب الخمر من الأشراف" ليس عبدَ الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وإنما عبيدُ الله بن عمر بن الخطاب، والله أعلم بصحة ذلك، فإن الأصل في الصحابة رضي الله عنهم العدالة.

قال العلامة الزَّين قاسم في حاشيته على شرح النخبة لشيخه ابن حجر:

«قوة الحديث إنما هي بالنظر إلى رجاله، لا بالنظر إلى كونه في كتاب كذا». انتهى.

وفي بعض طبعات العقد الفريد وقع تصحيف، أما الطبعة القديمة بتحقيق العِرْيان فقد جاء فيها الاسم على صحَّته: "عبيد الله بن عمر"، والله أعلم.

 

 

مقالات السقيفة ذات صلة:

هل قول ابن القيِّم في فناء النار صحيح؟

خرافة «لولا السنتان لهلك النعمان»

الرد على شبهة لماذا أخرج البخاري عن رواة ضعّفهم؟

وقد ورد ذكر عبيد الله بن عمر بن الخطاب في التواريخ في مواضع عدة، وهو: عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، وأمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وهو أخو حارثة بن وهب الصحابي المشهور لأمه.

ولد في عهد النبي ﷺ، وكان من شجعان قريش، وهو القائل:

أنا عبيد الله سماني عمرْ

خير قريشٍ من مضى ومن غبرْ
حاشا نبي الله والشيخ الأغرْ

خرج إلى العراق غازيًا في زمن أبيه مع أخيه عبد الله، فلما قفلا مرّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة، فرحب بهما وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال: بلى، ها هنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، وأسلفكما فتبتاعان به من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح. ففعلا.

وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر قال:

 أكل الجيش أسلفهم؟ فقالا: لا.

فقال عمر: أدّيا المال وربحه.

فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه.

فقال: أدّيا المال. فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضًا.

فقال عمر: قد جعلته قراضًا. فأخذ رأس المال ونصف ربحه، وأخذا النصف الباقي.

وكان يتكنى بأبي عيسى، فضربه عمر وقال: "أتتكنى بأبي عيسى؟ وهل كان له من أب؟».

ولما قُتل عمر رضي الله عنه، أخبرهم عبد الرحمن بن أبي بكر أنه رأى الهُرمزان وجُفينة وأبا لؤلؤة يتناجون، فنفروا منه، فسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فلما رأوا الخنجر الذي قُتل فيه عمر على نفس الوصف الذي ذكر عبد الرحمن، خرج عبيد الله مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان وطلب منه أن يصحبه ليريه فرسًا له، وكان الهرمزان بصيرًا بالخيل.

فخرج يمشي معه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف صاح: لا إله إلا الله. ثم أتى جُفينة ـ وكان نصرانيًّا ـ فقتله.

فقُبض عليه وسُجن إلى أن تولى عثمان الخلافة، فاستشار الصحابة في أمره، فأفتى بعضهم بقتله، وأفتى بعضهم الآخر بالدية، فأدى عثمان الدية من ماله وأطلقه.

وشارك عبيد الله في موقعة صفين، وقُتل فيها سنة (37 هـ). ررضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين.


 

ثوزظ