لقد تعرَّض الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، كغيره من كبار الصحابة، لسيلٍ من الافتراءات والأباطيل التي لا تليق بمقامه ولا بصحبته للنبي ﷺ. وقد تجرأ بعض الكُتّاب، وفي مقدمتهم صاحب العقد الفريد، على رواية أخبار باطلة، نسبها إلى معاوية زورًا، متغافلين عن منزلته العظيمة التي شهد بها النبي ﷺ حين دعا له بالعلم والهداية، وشهد بها أهل الفضل من الصحابة والتابعين.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على جملة من تلك الأكاذيب، ونكشف زيفها، مع بيان مكانة معاوية رضي الله عنه، وفضح الأساليب التي استخدمها أهل الأهواء لتشويه صورته وتشويه غيره من الصحابة الكرام.

كذبه على معاوية ـ رضي الله عنه ـ:

إن أكثر من نِيل منه من أصحاب محمد ﷺ هو الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

وقد نقل عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنهما الذي دعا له النبي ﷺ فقال:

«اللَّهُمَّ علِّم معاوية الكتاب والحساب وقِه العذاب» (رواه أحمد).

وقال أيضاً: «اللَّهُمَّ اجعله هادياً مهدياً واهدِ به» (رواه الترمذي).

وشهد له حبر الأمة ابن عباس بالفضل والفقه، وقال عنه الإمام ابن كثير:

«هو أول ملوك الإسلام وخيارهم».

ويكفيه شرفًا أن عينيه قد اكتحلت برؤية النبي ﷺ وصحبته، رضي الله عنه وأرضاه.

لكن صاحب العقد نسب إليه روايات باطلة، منها أنه كان يمنع الغناء لأنه لا يهواه، ثم أجازه حين أعجبه !

مقالات السقيفة ذات صلة:

هل قول ابن القيِّم في فناء النار صحيح؟

خرافة «لولا السنتان لهلك النعمان»

الرد على شبهة لماذا أخرج البخاري عن رواة ضعّفهم؟

وقد ذكر الخبر على لسان الأصمعي، فقال:

«كان معاوية يعيب على عبد الله بن جعفر سماع الغناء، فلما قدم المدينة مرّ بداره فسمع غناءً، فوقف يقول: أستغفر الله. ثم سمعه آخر الليل يقرأ القرآن فقال: الحمد لله! ثم استشهد بالآية:

﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة: 102].
فلما بلغه ذلك عبد الله دعا معاوية لطعام، وأحضر ابن صياد المغني، فلما وضع معاوية يده في الطعام غنّى فطرب معاوية حتى ضرب برجله الأرض!».

وقد أضاف صاحب العقد أن معاوية رضي الله عنه قال:

«لا بأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان».

وهذا كذب بيّن على أمير المؤمنين معاوية، إذ أراد صاحب العقد استغلال صحبته لعبد الله بن جعفر ليُظهره بمظهر من يطرب للغناء.

ومن الأكاذيب الأخرى التي نسبها له: أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما:

يا بني هاشم، ما بالكم تُصابون في أبصاركم؟

فأجابه ابن عباس: «وأنتم تُصابون في بصائركم!».

وقد علق الأديب الخويطر على هذا بقوله:

«لقد أغرى الكاذب علمه بأن عبد الله والعباس والمطلب كانوا مكفوفين بالتتابع، فركّب القصة لعدم رضاه على معاوية، فأراد أن يُظهره بمظهر المعتدي المهزوم. وهذا كذب واضح، فالعلاقة بينهما علاقة احترام، ويأبى خُلقهما أن ينزل إلى هذا المستوى».

ملء السلة من ثمر المجلة (1/130-131)

بل تعدى الكذب إلى الادعاء بأن معاوية رضي الله عنه كان يأمر أصحابه بلعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على المنابر، وأنه كان يخطب بخطب بذيئة وألفاظ سوقية! وكذلك نسب الأكاذيب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه، بل وحتى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فهذه الأكاذيب لا تخرج عن كونها افتراءات أدبية من أهل الأهواء الذين أرادوا تشويه تاريخ الصحابة الكرام، وإلباس الحق غير لباسه، وتقديم الصورة الزائفة مكان الحقيقة الناصعة.