من المسائل التي كَثُر فيها الكلام عند المسلمين: مسألة حياة الخَضِر عليه السلام. فقد شاع بين بعض الناس أنّه ما زال حيًّا، وأنه يحضر المواسم العبادية، ويشهد المواقف العظيمة، بل نُسِبت إليه حكايات ومنامات وأخبار لا تخلو من الغرابة. غير أنّ أهل التحقيق من العلماء وقفوا مع هذه المسألة بميزان الكتاب والسنّة، فبيّنوا أن الأدلّة الصحيحة لا تساعد على القول ببقائه حيًّا، وأنّ ما ورد من الحكايات والقصص لا تقوم به حجّة.
السؤال: |
هل ما زال الخضر حيّاً على وجه الأرض حتى يومنا هذا وأنه سيظل حيّاً إلى يوم القيامة ؟ .. |
الجواب |
أقوال العلماء: قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "وحكايات الصالحين عن الخَضِر أكثر من أن تُحصَر، ودعواهم أنه يحجّ هو وإلياس كل سنة، ويروون عنهما بعض الأدعية، كل ذلك معروف، ومستند القائلين بذلك ضعيف جدًّا؛ لأنّ غالبه حكايات عن بعض من يُظَن به الصلاح، ومنامات وأحاديث مرفوعة عن أنس وغيره، وكلّها ضعيف لا تقوم به حجّة". الأدلة على أن الخَضِر قد تُوفِّي اولاً: عموم نصوص القرآن الكريم قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِأَحَدٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 34]. فالآية الكريمة تدلّ على أنّ الخلود لم يُعطَ لأحد قبل النبي ﷺ، فكيف بالخَضِر وهو عبد صالح لا نبي مرسَل؟ ثانيًا: حديث العصابة يوم بدر قال النبي ﷺ: (اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هذِه العِصَابَةُ مِن أهلِ الإسلامِ، لا تُعْبَدْ في الأرضِ) رواه مسلم. فلو كان الخَضِر حيًّا في ذلك الوقت لكان من العصابة التي نصرت الإسلام، ولا ذكر له في الروايات الصحيحة. ثالثًا: حديث المائة سنة: أخبر النبي ﷺ أن من كان على ظهر الأرض في زمنه لن يبقى منهم أحد بعد مائة سنة. روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلَّى بنا رسول الله ﷺ ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلَّم قام فقال: قال ابن عمر: يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. فلو كان الخَضِر موجودًا وقتها لمات بانقضاء القرن كما نصّ الحديث. رابعًا: لو كان حيًّا للزمته متابعة النبي ﷺ النبي ﷺ مبعوث إلى الإنس والجن، فلو كان الخَضِر حيًّا في زمانه للزم أن يكون من أتباعه، ولشهد معه الجهاد ونصر الدعوة، وهو ما لم يثبت. الخاتمة بناءً على هذه الأدلّة، يظهر رجحان القول بأن الخَضِر قد تُوفِّي، وأن ما يُروى عن حياته المستمرة إلى يومنا هذا لا أصل له من الأدلّة الصحيحة. فالواجب على المسلم أن يسلّم للكتاب والسنّة، وألا يركن إلى حكايات ضعيفة أو منامات لا حجّة فيها. |