من المسائل العقدية التي أثارت جدلًا واسعًا بين العلماء مسألة الصفات الإلهية، ومنها قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 22]. فقد ورد عن بعض الرواة أن الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ تأوَّل هذه الآية بمعنى "جاء ثوابه"، وهو قول انفرد به حنبل بن إسحاق. وقد كان حنبل ثقةً إلا أنّه قد تفرّد بغرائب في روايته عن الإمام أحمد. ويأتي هذا المقال لتوضيح حقيقة هذه الرواية، وبيان موقف العلماء منها، مع التعقيب على التناقض في مناهج بعض المتكلمين الذين يردّون أحاديث الصحيحين ثم يتمسكون بما يسمونه تأويلاً.
نص الرواية ومصدرها:
روى البيهقي عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل، أن الإمام أحمد تأوَّل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: 22]، بأنه جاء ثوابه.
وقد علّق العلماء على هذه الرواية:
◘ قال الذهبي عن حنبل: «له مسائل كثيرة عن أحمد، يتفرّد ويغرب»
(سير أعلام النبلاء 13/51، طبقات الحنابلة 1/143).
◘ وقال البيهقي: «هذا إسناد لا غبار عليه».
لكنّ ثبوت السند لا يمنع من النظر في متن الرواية وموافقتها لأصول المذهب الحنبلي المعروف بإثبات الصفات بلا تأويل ولا تعطيل.
________________________________________
التعقيب على استغلال الرواية:
قال السقاف: «قال البيهقي: هذا إسناد لا غبار عليه».
فنقول له: أنفض الغبار عن عقلك!
فأنت ومن سار على طريقتك تردّون أحاديث البخاري ومسلم في العقائد بحجّة أنها آحاد، وتقصُرون الناس على المتواتر، بل وتشُكّونهم في أصحّ كتب الأمة بعد كتاب الله. ثم في المقابل تتمسكون برواية منقولة في التأويل ـ مع إقرار الجميع أن التأويل احتمالي ـ وتبنون عليها منهجًا عقديًا؟
فما بال "الاحتمال" يكون حجة عندكم في التأويل، بينما "الاحتمال" في صحة الرواية عند البخاري ومسلم مردود؟!
إن هذا تناقض بيّن، لا يليق بمنهج أهل العلم والتحقيق.