من القضايا التي أثارت نقاشًا بين أهل العلم قضية الصلاة الوسطى، وهل هي صلاة العصر أم غيرها؟ وقد وردت في صحيح مسلم روايتان متتاليتان تُبيِّنان هذا الأمر بوضوح، إحداهما تذكر قراءة مروية عن عائشة رضي الله عنها، والأخرى تبيّن أن تلك القراءة كانت منسوخة. وللأسف، يتجاهل بعض الفرق الرواية المكمّلة، فيستدلون بواحدة ويتركون الأخرى، مما يؤدي إلى فهم مبتور للنصوص الشرعية.
النصوص والروايات:
الرواية الأولى:
روى الإمام مسلم: - 629حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأتُ على مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذِنِّي ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238]، فلما بلغتها آذنتها، فأملَتْ عليَّ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾.
قالت عائشة: سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صحيح مسلم 1/437 حديث 629.
الرواية الثانية (التي تليها مباشرة وتوضح النسخ):
630 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا يحيى بن آدم، حدثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ﴾، فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾.
فقال رجل كان جالسًا عند شقيق:
هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم.
قال مسلم: ورواه الأشجعي عن سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم زمانًا بمثل حديث فضيل بن مرزوق.
الخلاصة
من خلال الجمع بين الروايتين يتبيّن أن ذكر "وصلاة العصر" كان قراءة مروية لكنها نُسخت بلفظ آخر، واستقر النص القرآني على ما هو بين أيدينا اليوم: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَْ﴾ [البقرة: 238].
وهذا شاهدٌ قوي على ضرورة الأخذ بجميع النصوص وعدم انتقاء رواية وترك أخرى، حتى لا يختل الفهم الشرعي.