كثيرًا ما يرفع الشيعة شعار عصمة الأئمة واتباع توجيهاتهم باعتبارها تشريعًا ملزمًا، لكن عند التمحيص في مصادرهم المعتمدة يظهر التناقض الواضح في ممارسات الأئمة أنفسهم. ومن أبرز هذه الممارسات ما ورد في قضية "البصاق في المسجد". فبينما يُروى عن الإمام عليّ رضي الله عنه أن البصاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه، نجد في المقابل أن أبا جعفر الثاني بصق في المسجد الحرام بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه، حسب ما أورده الكليني في الكافي ووصفه المجلسي بأنه صحيح. هذه الحادثة تضع دعاوى العصمة تحت مجهر النقد، وتفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: كيف يُلزمون الناس بما لم يلتزم به الأئمة أنفسهم؟ ولماذا يقعون فيما وصفوه هم أنفسهم بالخطايا والمكروهات؟
الروايات المتناقضة حول البصاق في المسجد
رواية التحريم والتشديد
قال الطوسي في تهذيب الأحكام:
"32 – أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن عليًّا عليه السلام قال: البُزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه"
(تهذيب الأحكام – الطوسي – ج 3 – ص 256).
وقد علّق المجلسي على هذه الرواية في ملاذ الأخيار قائلاً: موثق (ج 5 – ص 484)
من مختارات السقيفة |
ولاية الأئمّة بين النصوص الشيعية وإشكالية الغياب تعاليم الأئمة كالقرآن عند الخميني التقليد والدعاء والاستغاثة بغير الله و أسئلة حول الأئمة والأنبياء |
رواية فعل الإمام المعصوم للبصاق
بينما جاء في الكافي للكليني:
"الحسين بن محمد عن عبد الله بن عامر عن علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه".
(الكافي – الكليني – ج 3 – ص 370).
وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول: صحيح (ج 15 – ص 29).
التناقض بين النصوص
يتبين هنا التناقض الصريح:
◘ الإمام عليّ يعتبر البصاق في المسجد خطيئة ويوجب دفنه.
◘ الإمام الجواد يبصق في المسجد الحرام علنًا ولا يدفنه.
فإذا كان الإمام عليّ قد نصّ على أنّ البصاق خطيئة، فهل وقع الإمام الجواد في الخطأ؟ وإذا وقع، هل كفّر عن خطيئته بدفن البصاق كما أمر الإمام السابق؟ النص صريح بأنه لم يدفنه!
هل وقع الإمام المعصوم بالفعل في المكروه أو الخطيئة؟ الرواية الصحيحة عند الشيعة تثبت أنه فعل ما حرّمه الإمام قبله.
هل كفّر عن خطيئته؟ النص ينفي ذلك، إذ لم يدفن البصاق.
لماذا لا يلتزم المعصوم بفعل المستحبات ويقع في المكروهات؟
العصمة – كما يزعمون – تمنع وقوع المكروه، فكيف جرى هذا؟
لماذا لا يطبق المعصوم التوجيهات التي صدرت من المعصوم الذي سبقه؟
إن كان الإمام لا يلتزم، فكيف يُطالب أتباعه بالالتزام؟
الاستشهاد بالقرآن الكريم
قال الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44].
الخلاصة:
إنّ حادثة بصاق الإمام في المسجد الحرام تكشف بوضوح التناقض الكبير بين القول والفعل في الفكر الإمامي، وتُظهر بطلان دعوى العصمة. فإذا كان المعصوم – بزعمهم – يتجرأ على فعل ما وصفه الإمام قبله بالخطيئة، فإن هذا يُسقط دعوى العصمة من جذورها. فالمعصوم أولى الناس بتطبيق ما يأمر به غيره، وإلا صار حاله حال من وصفهم القرآن بأنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.