من أبرز القضايا العقدية التي شغلت علماء الشيعة الإمامية مسألة علامات الإمام المعصوم وكيفية التعرف عليه بعد وفاة سلفه. فقد أورد الكليني في كتابه الكافي روايات عديدة حول صفات الإمام وخصائصه المزعومة، وتوسع المجلسي في عين الحياة ليذكر أوصافاً غيبية وخوارق لا دليل عليها من القرآن ولا من السنة الصحيحة. غير أن هذه الروايات لا تخلو من إشكالات جوهرية؛ إذ تُظهر تناقضاً بين التنظير العقائدي وبين الواقع التاريخي الذي عاشه الشيعة أنفسهم، خاصة عند الانقسام بين الفطحية والإمامية في مسألة إمامة عبد الله الأفطح بعد وفاة الإمام الصادق. هذا المقال يستعرض أبرز الروايات الشيعية في علامات الإمام، ويبين الإشكالات الناتجة عنها وفق مصادرهم المعتبرة، مع إضاءات نقدية مدعمة من كتب الرجال والجرح والتعديل.
روى الكليني في الكافي:
"مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): إِذَا مَاتَ الْإِمَامُ بِمَ يُعْرَفُ الَّذِي بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ، مِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ وُلْدِ أَبِيهِ، وَيَكُونَ فِيهِ الْفَضْلُ وَالْوَصِيَّةُ، وَيَقْدَمَ الرَّكْبُ فَيَقُولَ: إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ؟ فَيُقَالُ: إِلَى فُلَانٍ. وَالسِّلَاحُ فِينَا بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَكُونُ الْإِمَامَةُ مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا كَانَ."
(الكافي – الكليني – ج 1 ص 284).
وقد حكم المجلسي على هذه الرواية في مرآة العقول بأنها صحيحة (ج 3 ص 204).
من مختارات السقيفة |
ولاية الأئمّة بين النصوص الشيعية وإشكالية الغياب تعاليم الأئمة كالقرآن عند الخميني التقليد والدعاء والاستغاثة بغير الله و أسئلة حول الأئمة والأنبياء |
ما ذكره المجلسي في عين الحياة:
قال المجلسي:
"روى ابن بابويه رحمه الله بسند قويّ عن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) أنّه قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهّراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدَّثاً... ويستوي عليه درع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا يُرى له بول ولا غائط لأن الله عزّ وجل قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشدّ الناس تواضعاً لله عزّ وجلّ، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكف الناس عمّا ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى لو أنّه دعا على صخرة لانشقّت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيفه ذو الفقار، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم الى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج اليه ولد ادم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ماعز وإهاب كبش، فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة، ونصف الجلدة، وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام..."
(عين الحياة – المجلسي – ج 1 ص 178–179).
تناقضات في التطبيق التاريخي:
على الرغم من هذه الروايات، فإن التاريخ الشيعي نفسه يبين وقوع خلافات كبيرة في مسألة تعيين الإمام:
قال النجاشي عن علي بن الحسن بن فضال:
" علي بن الحسن بن علي بن فضال بن عمر بن أيمن مولى عكرمة بن ربعي الفياض أبو الحسن، كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه. سمع منه شيئا كثيرا، كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه، وقل ما روى عن ضعيف، ووجههم، وثقتهم... وكان فطحياً... وصنّف كتباً كثيرة منها إثبات إمامة عبد الله."
(رجال النجاشي – ص 257–258).
وذكر النجاشي عن معاوية بن حكيم:
وكذلك معاوية بن حكيم، فقد اعتقد بإمامة الأفطح ولم يدرك عصره.
معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني "ثقة، جليل، في أصحاب الرضا (عليه السلام)..."
(رجال النجاشي – ص 412).
ونقل الطوسي في اختيار معرفة الرجال عن الفطحية:
"محمد بن الوليد الخزاز، ومعاوية بن حكيم، ومصدق بن صدقة، ومحمد بن سالم بن عبد الحميد... قال أبو عمرو: هؤلاء كلهم فطحية، وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا عليه السلام، وكلهم كوفيون..."
(اختيار معرفة الرجال – الطوسي – ج 2 ص 835).
وأورد الجواهري عن الخوئي:
"معاوية بن حكيم... ثقة... من أصحاب الرضا، والهادي، والجواد، وموسى ( ع) - روى في كامل الزيارات وتفسير القمي ...فطحي... طريق الصدوق إليه صحيح... وأما ما احتمله بعضهم من رجوعه عن الفطحية فهو عجيب، فإن معاوية لم يدرك زمان عبد الله الأفطح جزماً."
(معجم رجال الحديث – الخوئي – ج 19 ص 223–224).
ولقد جزم الخوئي على إن معاوية بن حكيم لم يدرك الأفطح، فقال: " وأما ما احتمله بعضهم من حمل كلام الكشي على أنه كان فطحيا أولا، ثم رجع عن ذلك بعد موت عبد الله بن أفطح، فهو عجيب، فإن معاوية بن حكيم لم يدرك زمان عبد الله الأفطح جزما، على أنه خلاف ظاهر عبارة الكشي من أن معاوية بن حكيم فطحي على الاطلاق " اهـ