يُعد موضوع زواج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من أكثر المسائل إثارة للجدل بين أهل السنة والجماعة والشيعة الإمامية. فقد وردت في مصادر الفريقين روايات تؤكد هذا الزواج، بينما حاول بعض علماء الشيعة إنكاره أو تأويله بطرق متناقضة. في هذا المقال نعرض الأدلة من كتب السنة والشيعة على ثبوت الزواج، مع بيان ما يترتب عليه من دلالات شرعية وعقدية، خاصة فيما يتعلق بتزكية الإمام علي رضي الله عنه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب من خلال قبوله تزويجه ابنته.
أولا: إثبات الزواج في كتب أهل السنة
قال الامام البخاري:
" 2881 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ المَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: «أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ، وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ عُمَرُ: «فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ»، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " تَزْفِرُ: تَخِيطُ " اهـ
صحيح البخاري - بَابُ حَمْلِ النِّسَاءِ القِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الغَزْوِ - ج 4 ص 33
من مختارات السقيفة: |
¨ القرامطة وخياناتهم عبر التاريخ
¨ لماذا لم أتشيع؟| موقف الحسين رضي الله عنه من غدر الشيعة
¨ عجائب وغرائب من روايات الشيعة
¨ شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل
¨ موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس
¨ نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
¨ روايات الشيعة التي تنقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
وقال الامام ابن سعد:
" وكان لعمر من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وزيد الأكبر لا بقية له ورقية وأمهما أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ........" اهـ
الطبقات الكبرى – ابو عبد الله محمد بن سعد بن منيع - ج 3 ص 266
ثانيا: إثبات الزواج في كتب الشيعة
رغم إنكار بعض علماء الشيعة، فإن رواياتهم تنطق بثبوت الزواج، ومن ذلك:
فقد قال الكليني:
"باب الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمَدْخُولِ بِهَا أَيْنَ تَعْتَدُّ وَ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا
1- حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا أَوْ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ بَلْ حَيْثُ شَاءَتْ إِنَّ عَلِيّاً ( عليه السلام ) لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ أَتَى أُمَّ كُلْثُومٍ فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى بَيْتِهِ " اهـ
الكافي - الكليني - ج 6 ص 115، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - موثق - ج 21 ص 197
وفيه ايضا: " 2 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ غَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) عَنِ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا أَيْنَ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا تَعْتَدُّ أَوْ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ بَلَى حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ( عليه السلام ) لَمَّا مَاتَ عُمَرُ أَتَى أُمَّ كُلْثُومٍ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى بَيْتِهِ " اهـ
- الكافي - الكليني - ج 6 ص 115 - 116، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - صحيح - ج 21 ص 199
وفي روضة المتقين: " و في الصحيح، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة توفي زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: حيث شاءت، ثمَّ قال: إن عليا عليه السلام لما مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته.
و في الموثق كالصحيح، عن عبد الله بن سنان و معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت إن عليا عليه السلام لما توفي عمر أتى أم كلثوم و انطلق بها إلى بيته " اهـ
روضة المتقين - محمد تقي المجلسي - ج 9 ص 90
وفي تهذيب الاحكام للطوسي:
" (1295) 15 محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن محمد القمي عن القداح عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: ماتت أم كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل فلم يورث احدهما من الآخر وصلى عليهما جميعا " اهـ
تهذيب الأحكام - الطوسي - ج 9 ص 362 – 363
ثالثا: اعتراضات الشيعة وتناقضهم
فهذه الروايات كلها تؤكد الزواج، فان قال الرافضة ان عليا رضي الله عنه قد زوجها مرغما، ولقد نقل الكليني عن الصادق أن ذلك فرج مغصوب.
حاول بعض علماء الشيعة تبرير هذه الروايات، فذكر الكليني عن الصادق:
كما قال في الكافي: " عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ و حَمَّادٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فِي تَزْوِيجِ أُمِّ كُلْثُومٍ فَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ فَرْجٌ غُصِبْنَاهُ " اهـ
الكافي - الكليني - ج 5 ص 346، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - حسن - ج 20 ص 42
رابعا: دلالة الزواج على تزكية علي لعمر
بعد ثبوت الزواج عند الفريقين، فإن ذلك يُعد تزكية من الإمام علي رضي الله عنه لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما، إذ لا يزوج الرجل ابنته إلا من رضي دينه وخلقه.
بعد أن أثبتنا صحة الزواج عند الفريقين أقول قد ثبت عند السنة والشيعة أن الشخص إذا تقدم للزواج وكان مرضي الدين والاخلاق فانه يُزوج، وهذا دليل صريح على تزكية علي لعمر رضي الله عنهما وإنه قد رضي دينه وخلقه.
قال العلامة الألباني:
في سنن الإمام الترمذي بسند حسن: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" اهـ
صحيح وضعيف سنن الترمذي - محمد ناصرالدين الالباني - ج 3 ص 84
خامسا: نفس المبدأ في كتب الشيعة
جاء في مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي:
" (16466) 1 الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى اله عليه وآله): إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير،
(16467) 2 دعائم الاسلام: عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه نهى أن يرد المسلم أخاه المسلم إذا خطب إليه ابنته رضي دينه وقال: (الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) " اهـ
مستدرك الوسائل – النوري الطبرسي – ج 14 ص 187 – 188
وقد ذكر الميرزا النوري في خاتمة المستدرك إن كتاب الجعفريات معول عليه عندهم، حيث قال: " 1 - أما الجعفريات: فهو من الكتب القديمة المعروفة المعول عليها، لإسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام " اهـ
خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج 1 ص 15