من القضايا العقدية التي أثارت جدلًا واسعًا بين المسلمين مسألة وجود النبي محمد ﷺ في قبره، وهل هو حيٌّ في قبره الشريف على نحوٍ خاص أم أن جسده كبقية الأجساد في القبور؟ هذه المسألة استدل بها بعض علماء الشيعة من كتبهم، كما نُقلت في مؤلفات مثل شرح أصول الكافي للمازندراني وعلل الشرائع للصدوق. ومن اللافت أن بعض التصورات في هذا الباب تشابه ما ورد في العقائد النصرانية حول بقاء الأجساد ثلاثة أيام في الأرض وقيام المسيح بعد ذلك، كما جاء في إنجيل متى. في هذا المقال نسلط الضوء على أهم النصوص الشيعية في هذه المسألة، ونقارنها بما في الديانات السابقة، مع بيان أوجه التشابه والاقتباس، لنكشف حقيقة هذه العقائد وأثرها في الفكر العقدي.

رواية المازندراني في شرح أصول الكافي

قال المازندراني:

"النهي عن الإشراف على قبر النبي.

الأصل: 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن جعفر بن المثنّى الخطيب قال: كنتُ بالمدينة وسقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط، والفعلةُ يصعدون وينزلون ونحن جماعة. فقلتُ لأصحابنا: من منكم له موعد يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) الليلة؟ فقال مهران بن أبي نصر: أنا. وقال إسماعيل بن عمّار الصيرفي: أنا. فقلنا لهما: سلاه لنا عن الصعود لنُشرِف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 

من مختارات السقيفة:

¨   تغلغل المجوسية في التشيع (الغلو في سلمان وتقديس رموز الفرس)

¨   القرامطة وخياناتهم عبر التاريخ

¨   لماذا لم أتشيع؟| موقف الحسين رضي الله عنه من غدر الشيعة

¨   عجائب وغرائب من روايات الشيعة

¨   شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل

¨   موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس 

فلما كان من الغد لقيناهما، فاجتمعنا جميعًا. فقال إسماعيل: قد سألناه لكم عما ذكرتم، فقال: ما أحبّ لأحدٍ منهم أن يعلو فوقه، ولا آمنه أن يرى شيئًا يذهب منه بصره، أو يراه قائمًا يصلّي، أو يراه مع بعض أزواجه (عليه السلام)."

ثم شرح المازندراني الرواية فقال:

"الشرح: قوله (ما أحب لأحدٍ منهم أن يعلو فوقه) ظاهره الكراهة، والتحريمُ يحتمل.

 والعلة: ترك الأدب بأن يعلو فوقه، وعدم الأمن من أن يرى شيئًا يذهب منه بصره، وهو الملائكة أو أزواجه الطاهرات، أو أن يراه قائمًا يصلّي، أو يراه مع بعض أزواجه. وفيه هتك حرمته. ودلالة الجميع على المطلوب ظاهرة إلا قوله (أو يراه قائمًا يصلّي)، إلا أن يُقال: كراهة رؤيته كذلك أو عدم جوازها باعتبار الإشراف على بيته (عليه السلام)."

شرح أصول الكافي المولى محمد صالح المازندراني ج7 ص194195

رواية الصدوق في علل الشرائع

قال الصدوق:

"- العلة التي من أجلها يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام -
أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: احتبس القمر عن بني إسرائيل، فأوحى الله إلى موسى: أخرج عظام يوسف من مصر، ووعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه.

فسُئل موسى: عمّن يعلم موضع قبر يوسف؟

فقيل له: ها هنا عجوز تعلم علمه. فبعث إليها، فأُتي بعجوز مقعدة عمياء. فقال لها: أتعرفين موضع قبر يوسف؟ قالت: نعم. قال: فأخبريني به. قالت: لا، حتى تعطيني أربع خصال: تطلق لي رجلي، وتعيد إلي بصري، وتعيد إلي شبابي، وتجعلني معك في الجنة.

قال: فكبر ذلك على موسى.

فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى، أعطها ما سألت، فإنك إنما تُعطي على فعل. فدلته عليه، فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر. فلما أخرجه طلع القمر، فحمله إلى الشام، فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام."

علل الشرائع الصدوق ج1 ص296297

ملاحظات:

من خلال هذه النصوص يتبين أن هناك اعتقادًا عند الشيعة بإمكان رؤية النبي ﷺ قائمًا يصلّي أو مع أزواجه بعد وفاته، وهو ما يخالف ما عُرف عند جمهور المسلمين من أن الأجساد لا تعود إلى حال الحياة الدنيوية بعد الوفاة.

كما أن المعتقد ببقاء الأجساد في قلب الأرض ثلاثة أيام مأخوذ من النصارى، فقد جاء في إنجيل متى (الإصحاح 12:40):

"لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ."

وجاء أيضًا في إنجيل متى (الإصحاح 27:57-66) قصة دفن المسيح في القبر وختمه بالحجر والحراس، مع قولهم: "إني بعد ثلاثة أيام أقوم"، وهي رواية مشابهة لما يتداول في بعض كتب الرافضة حول بقاء الأجساد ثم قيامها بعد ثلاثة أيام.

إن معتقد بقاء الأجساد في قلب الأرض ثلاثة أيام مأخوذ من النصارى.

 فقد جاء في انجيل متى :

 "40لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ اَلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ اَبْنُ اَلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ اَلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ " اهـ .

انجيل متى الاصحاح الثاني عشر

وفي متى ايضا:

 57 وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْمِيذًا لِيَسُوعَ

 58 فَهذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلاَطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَدُ.

 59 فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ،

 60 وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ وَمَضَى.

 61 وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ.

 62 وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ

 63 قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ.

 64 فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!»

 65فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ».

66 فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ " اهـ.

انجيل متى الاصحاح السابع والعشرون