من القضايا المثيرة للجدل في الفكر الكلامي عند الشيعة الإمامية ما أورده الشريف المرتضى (355-436هـ) في كتبه حول ولادة الأنبياء والأئمة، حيث صرّح بأنهم لا يُولدون عارفين بالله تعالى، وإنما يكتسبون هذه المعرفة بعد اكتمال عقولهم وبذل النظر في الأدلة. هذه الفكرة تتعارض مع عقيدة عصمة الأنبياء عند جمهور المسلمين، الذين يرون أنهم يولدون مصطفَين مطهَّرين مهيئين للنبوة منذ لحظة وجودهم.
نص المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء
قال الشريف المرتضى:
"فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى حاكيًا عن إبراهيم عليه السلام:
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ أوليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنّه عليه السلام كان يعتقد في وقت من الأوقات الإلهيّة للكواكب؟ وهذا مما قلتم إنه لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام
من مختارات السقيفة: |
¨ تغلغل المجوسية في التشيع (الغلو في سلمان وتقديس رموز الفرس)
¨ القرامطة وخياناتهم عبر التاريخ
¨ لماذا لم أتشيع؟| موقف الحسين رضي الله عنه من غدر الشيعة
¨ عجائب وغرائب من روايات الشيعة
¨ شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل
¨ موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس
(الجواب): قيل له في هذه الآية جوابان:
أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام إنما قال ذلك في زمان مهلة النظر، وعند كمال عقله وحضور ما يوجب عليه النظر بقلبه وتحريك الدواعي على الفكر والتأمل له، لأنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يُخلق عارفًا بالله تعالى، وإنما اكتسب المعرفة لما أكمل الله تعالى عقله وخوّفه من ترك النظر بالخواطر والدواعي."
تنزيه الأنبياء – الشريف المرتضى – ص39
نص المرتضى في رسائل المرتضى (ج1):
قال:
"والوَصل الذي يجب تحقيقه أن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام لا يجوز أن يُخلق عارفًا بالله تعالى وأحواله وصفاته، لأنّ المعرفة ليست ضرورية، بل مكتسبة بالأدلة، فلا بد من أحوال يكون غير عارف ثم تجدد له المعرفة.
إلا أن نقول: إن المعرفة لا يجوز أن تحصل إلى النبي أو الإمام إلا في أقصر زمان يمكن حصولها فيه، لأن المعصية لا تجوز عليه قبل النبوة أو الإمامة كما لا تجوز عليه بعدها."
رسائل المرتضى – ج1 ص411–412
نص المرتضى في رسائل المرتضى (ج2)
وقال أيضًا:
"مما يدل أيضًا على تقديمهم عليهم السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان."
رسائل المرتضى – ج2 ص251
تحليل ونقد عقدي
من خلال هذه النصوص يتضح أن الشريف المرتضى يرى:
• الأنبياء والأئمة لا يولدون عارفين بالله، بل يكتسبون المعرفة بعد اكتمال عقولهم.
• المعرفة بالله عنده مكتسبة وليست ضرورية، مما يفتح بابًا لإمكانية الجهل بالله في بداية العمر.
• هذا القول يناقض ما عليه جمهور أهل السنة والجماعة الذين يثبتون أن الأنبياء معصومون من الجهل بالله منذ ولادتهم، بل هم مصطفون مكرمون معدّون للرسالة.
كما أن مساواة المعرفة بالأئمة بالمعرفة بالله تعالى، وجعل الجهل بهم كالكفر بالله، هو غلوّ واضح يتعارض مع التوحيد الخالص الذي جاءت به رسالة الأنبياء.
الخلاصة:
لقد صرّح الشريف المرتضى في كتبه بأن الأنبياء والأئمة لا يولدون عارفين بالله، بل يكتسبون هذه المعرفة فيما بعد. وهذا المعتقد له أثر خطير في العقيدة، إذ يفتح بابًا للتشكيك في عصمتهم من الجهل. كما أن مساواة المعرفة بالأئمة بالمعرفة بالله غلوّ يتعارض مع عقيدة التوحيد. وهذا يبيّن جانبًا من الانحرافات العقدية عند الشيعة الإمامية مقارنة بما عليه أهل السنة والجماعة.