تُعد مسألة البسملة من المسائل الكبرى التي دار حولها كثير من الخلاف بين العلماء والمفسرين والقراء، سواء من جهة إثباتها كآية من كل سورة، أو من جهة أحكام التلاوة بها بين السور، أو من حيث الجهر والإسرار بها في الصلاة. وقد استقر الإجماع على كونها آية في سورة النمل، واستُثنيت براءة من الابتداء بها، لكن الخلاف بقي محتدمًا في ما عدا ذلك، خاصة بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة الإمامية الذين تبنوا آراءً شاذة في دمج بعض السور ورفض البسملة بين بعضها، مما يثير تساؤلات حول التزامهم برسم المصحف المتواتر. هذا الخلاف لا يمسّ قداسة القرآن أو سلامته، بل هو من أوجه التيسير الإلهي على الأمة، وقد بيّنت النصوص النبوية تواتر نزول القرآن على سبعة أحرف، مما فتح الباب لتعدد القراءات الصحيحة المتواترة، وكلها محفوظة ضمن الرسم العثماني للمصحف. في هذا المقال نسلط الضوء على هذه المسألة من خلال أقوال أئمة القراءات كابن الجزري، ورؤية علماء الأصول كالسيوطي والشنقيطي، مع بيان مخالفة الشيعة الإمامية لرسم المصحف في بعض المواضع، ومناقشة مدى انسجام مواقفهم مع عقيدتهم في عصمة الأئمة.
قال ابو عبيد:
" قَدْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ "
فضائل القرآن – ابو عبيد القاسم بن سلام - ص 339
وهذا من رحمة الله تعالى على الامة، والتيسير لها، والامة مأمورة ان تقرأ القرآن بإي حرف من هذه الحروف كما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» "
صحيح البخاري - بَابُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - ج 6 ص 184، وصحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 560
من مختارات السقيفة: |
¨ الشيعة تقول إن زيارة قبر الحسين أفضل من زيارة بيت الله الحرام
¨ الأكل عند قبر الرضا ينجي من سؤال الملكين
¨ هل زيارة عاشوراء تفوق أعمال الأنبياء؟!
وقد نقلت هذا الحديث وشرحته في نفس الكتاب تحت عنوان (ان هذا القران انزل على سبعة أحرف)
فكتابة القرآن الكريم لا تخرج من أن تكون من هذه الأحرف، ولو اختاروا حرفًا واحدًا وكان فيه وجهان فان هذا معتبر عند اهل القراءات،
قال الامام ابن الجزري:
" ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتاً في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر ﴿قالوا اتخذ الله ولداًْ﴾ في البقرة بغير واو ﴿وبالزبر وبالكتاب المنير﴾ بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي وكقراءة ابن كثير ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة من فإن ذلك ثابت في المصحف المكى وكذلك ﴿فإن الله هو الغني الحميد﴾ في سورة الحديد بحذف هو وكذا ﴿سارعوا﴾ بحذف الواو وكذا ﴿منها منقلباً﴾ بالتثنية في الكهف إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه "
النشر في القراءات العشر - ابو محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري– ج 1 ص 21
وقال الامام السيوطي:
" الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا "
الاتقان في علوم القران – عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 1 ص 239
ولقد ورد في كتب الرافضة ان البسملة لا تكون بين سورة الضحى، والانشراح، وبين سورة الفيل وسوة قريش.
قال الحلي، وغيره من علماء الامامية:
" روى أصحابنا أن " الضحى " و" ألم نشرح " سورة واحدة، وكذا " الفيل " و" الإيلاف "، فلا يجوز إفراد أحدهما عن صاحبتها في كل ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما، على الأظهر "
شرائع الإسلام - جعفر بن الحسن بن يحيى الحلي - ج 1 ص 66، ومسالك الأفهام - الشهيد الثاني - ج 1 ص 211، ومدارك الأحكام - محمد العاملي - ج 3 ص 377
فلو كانت البسملة آية في سورة من القرآن لما ردها الرافضة بين هذه السور التي ذكرناها، ومن المعلوم ان رسم القرآن فيه البسملة في بداية سورة الضحى، والانشراح، والفيل، وقريش.
ولقد صرح الصدوق بأن الضحى، والإنشراح سورة واحدة، ولأيلاف، والم نشرح سورة واحدة، حيث قال:
" وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولايلاف وألم تر كيف سورة واحدة "
الاعتقادات – للصدوق – 84
وفي الجامع الشرائع:
" الضحى والإنشراح سورة، والفيل ولإيلاف سورة: ولا بسملة بينهما وقيل البسملة كما في المصاحف "
الجامع للشرائع – يحيى بن سعيد الحلي – ص 81
لقد جزم بعدم البسملة، ثم ذكر بصيغة التمريض البسملة بينهما، فلو كان الامر فيه طعن في القران لما جزم بعدم البسملة بينهما.
وورد في كتب الرافضة ان الجهر بالبسملة غير مشمولة بالتقية، ومع هذا يأمر المعصوم بعدم الجهر بها ويحملها الامامية على التقية.
قال محمد تقي المجلسي:
" وقال ابن أبي عقيل: تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام أن لا تقية في الجهر بالبسملة وروى الصدوق بإسناده المعتبر عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة وروي في الصحيح، عن عبيد الله بن علي الحلبي، ومحمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما سألاه عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال:
نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا فقالا: أفيقرأها مع السورة الأخرى فقال: لا وحملا على عدم الوجوب أو التقية كما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير زكريا بن إدريس قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يجهر كما حمل الأخبار الصحيحة الدالة على جواز تركها مطلقا على التقية كصحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يضره ولا بأس بذلك وإن أمكن حملها على النسيان أيضا
روضة المتقين – محمد تقي المجلسي - ج 2 ص 303
لقد قال الامام المعصوم بعدم قراءة البسملة بين السورتين فلو كانت اية من كل سورة لأمر بقراتها في السورة الثانية.