يُعَدّ حديث المنزلة من الأحاديث المشهورة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد رواه عدد من المحدثين، ومنهم المجلسي في بحار الأنوار. وتتمثل أهمية هذا الحديث في بيان منزلة علي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث شبّهه بهارون من موسى عليهما السلام، إلا أنّه نفى عنه النبوة. وقد ورد في بعض الروايات أنّ عليًّا رضي الله عنه بكى عند سماع هذا القول، مما أثار تساؤلات حول سبب بكائه: هل كان رفضًا للتنصيب؟ أم أنه تعبير عن شعوره بعدم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن؟
هذا المقال يوضح نص الرواية، ويعرض دلالتها، مع بيان حقيقة بكاء علي رضي الله عنه، اعتمادًا على النصوص الواردة في المصادر.
نص الرواية:
روى المجلسي في بحار الأنوار بسنده:
"وبالإسناد عن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن جُعَيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد، أن عليًّا عليه السلام خرج مع النبي صلى الله عليه وآله حتى جاء ثنيّة الوداع وهو يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟"
بحار الأنوار، ج37، ص262
شرح الحديث:
قول علي رضي الله عنه: "تخلفني مع الخوالف؟"
يدل على حزنه حين خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وذلك عندما خرج إلى غزوة تبوك. وكان يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقاه مع النساء والضعفاء لغير منزلة، فحزن لذلك وبكى.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟"
جاء لطمأنته، وتأكيد منزلته العالية، وبيان أنه ليس من باب الإبعاد أو التهميش، وإنما تشريف واصطفاء. فكما أن هارون كان خليفة موسى على قومه عند غيابه، فكذلك كان علي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة أثناء خروجه.
هل بكاء علي رضي الله عنه رفضٌ للتنصيب؟
قطعًا لا. لم يكن بكاء علي رفضًا للتنصيب أو اعتراضًا على مكانته، بل كان نابعًا من شدة حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغبته في مشاركته الغزوات والجهاد. فلما بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة، اطمأن قلبه ورضي، بل عدّ هذا الحديث من أعظم فضائله رضي الله عنه.
المصادر:
· بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج37، ص262.
· صحيح البخاري (حديث المنزلة بمعناه).
· صحيح مسلم (باب فضائل علي بن أبي طالب