الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للطاعات، وخصّ بعض الأيام بفضائل عظيمة، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوم عاشوراء من أعظم الأيام عند الله تعالى، وقد صحّت الأحاديث في فضله ومكانته، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله، وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. وقد اجتمع في هذا اليوم العديد من الأحكام الفقهية والمسائل التربوية التي يحتاجها المسلمون، ليحيوا هذا اليوم على السنة والاتباع.
لكن في المقابل، استغلّت بعض الفرق الضالة – كالرافضة (الشيعة) – هذا اليوم لإحياء بدعهم ومظاهر ضلالهم من لطم وضرب ونياحة، فخالفوا منهج الإسلام الحق، وزادوا الأمة فرقة وابتداعاً. ومن جهة أخرى وقع بعض جهلة السنة في الغلو المقابل، فأحدثوا أعياداً واحتفالات لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحق أن الهدي النبوي هو صيام عاشوراء شكراً لله، بعيداً عن البدع والمحدثات.
المسألة الثامنة: النبي صلى الله عليه وسلم صامه قبل الهجرة
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه في مكة قبل الهجرة، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه.
ويفيد قوله " ما هذا اليوم لذي تصومونه؟ " أنه لم يكن صيامه قبل الهجرة لأجل نجاة موسى عليه السلام من الغرق وإنما لأمر آخر الله أعلم به، وهذا يؤيد أن صيام عاشوراء كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام.
المسألة التاسعة: متى كانت اليهود تصوم عاشوراء؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون، ومعلوم أن قدومه كان في ربيع الأول، فهذا يدل على أن اليهود حين اعتمدوا على التاريخ الشمسي وتركوا ميراث النبوة في التقويم الهلالي صار بهم الحال إلى أن تأخرت الأيام في حقهم حتى أصبح عاشوراء في ربيع الأول حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ويؤيد ذلك ما جاء عند الطبراني: " أنهم وكانوا يأتون فلانا اليهودي - يعني ليحسب لهم - فلما مات أتوا زيد ابن ثابت فسألوه " قال الحافظ في الفتح (6/284): وسنده حسن.
والمراد أن الحساب بالتقويم الشمسي لا يعرفه كل أحد لأنه يقتضي الحساب والكتابة، وظاهر الرواية يفيد أن التقويم الشمسي من تحريف الأحبار ليستأثروا به ويكون بيدهم الأمر دون الناس، وهذا من العلو في الأرض وابتغاء العلم لغير الله تعالى.
المسألة العاشرة: الرافضة وصيام عاشوراء
هناك فئتان ضالتان في صيام عاشوراء، وهما:
1ـ الرافضة:
حيث يقيمون المآتم والحزن ويقومون بضرب الخدود وشق الجيوب وضرب أجسادهم ليخرج الدم، وذلك حزناً على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، بينما في حقيقة الأمر أن مقتله كان على يد شيعته الذين أغروه بالخروج وراسلوه ليأتي من المدينة إلى الكوفة وزوروا الأسماء والتواقيع، فلما خرج ووصل إليهم خذلوه.
وفعلهم في هذا اليوم باطل لوجوه كثيرة، منها:
◘ النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب.
◘ النهي عن الدعاء بالويل والثبور.
◘ الدم نجس ولا يتعبد لله بإخراجه.
◘ بشاعة المنظر الذي يدل على فقد الوعي الإنساني في الزمن الذي ارتقى فيه العلم.
◘ النهي عن البكاء عن الميت.
◘ ينافي الصبر والاحتساب.
◘ ليس لفعلهم أصل في السنة ولا الصحابة ولا التابعين ولا السلف الصالح.
2ـ جهلة السنة:
الذين يقيمون الاحتفالات ويوسعون على أهلهم ويظهرون الزينة والفرح ويروون الأحاديث المكذوبة الموضوعة مضادة للرافضة، وكلا الطائفتين مخالفة للسنة النبوية.
وفعلهم باطل لوجوه:
◘ أن افتراء الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب.
◘ بدعة الرافضة لا ترد ببدعة أخرى، وإنما ترد بالحجة والبرهان ودعوتهم إلى السنة.
◘ فاتهم فضل الصيام في ذلك اليوم.
ومع ذلك فالبدع بعضها أعظم من بعض، وبدعة الرافضة أعظم من بدعة هؤلاء. والذي ورد في السنة النبوية أن يصام عاشوراء لأنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى من الغرق، وهذه الأمة أولى بالأنبياء لأنهم دعوا إلى توحيد الله.
من مختارات السقيفة: |
¨ شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل
¨ موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس
¨ نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
¨ روايات الشيعة التي تنقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
المسألة الحادية عشرة: حكم صيام عاشوراء
اختلف العلماء في يوم عاشوراء، هل كان صومه واجبا، أو تطوعا؟ على أقوال:
1ـ أنه كان واجبا ثم نسخ: وهذا قول أبي حنيفة، وروي عن أحمد.
2ـ أنه لم يكن واجباً: وقال به أصحاب الشافعي، وإنما كان تطوعا واختاره القاضي أبو يعلى.
3ـ أنه مازال واجباً نقله القاضي عياض عن بعض السلف.
4ـ كراهة تقصده بالصيام، نسبه ابن عبد البر لابن عمر رضي الله عنهما ويستدل له:
- بأن النسخ لم يكن للوجوب فحسب وإنما للاستحباب.
وقد انقرض القول ببقاء فرضيته، كما انقرض القول بكراهة قصد صومه بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، وبقي القولان الأول والثاني.
◘والراجح أنه كان واجباً ثم نسخ وجوبه لما فُرض رمضان، ويدل لذلك ما يلي:
1ـ ما خرجاه في الصحيحين عن عائشة قالت " كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه.
◘ فلما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء تركه " وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال " صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان تركه ومعلوم أن الذي ترك هو وجوب صومه لا استحبابه
2ـ ما جاء في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان أكل بأن يمسك بقية يومه " وهذا صريح في الوجوب، فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر.
المسألة الثانية عشرة: متى تكون نية صيام عاشوراء؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين بناءً على مسألة أخرى، وهي:
متى تكون نية النفل المعين؟ على قولين:
1ـ قول الجمهور: أن نية النوافل المعينة لا بد أن تكون من الليل ليصدق على من صام اليوم كاملاً انه صام يوم عاشوراء وليس بعضه.
2ـ قول الحنفية: أن نية النفل عموماً معيناً كان أم مطلقاً يصح أن تكون من منتصف النهار قبل الزوال، ورجحه ابن عثيمين رحمه الله.
وعلى هذا فلا بد من تبييت النية لصيام عاشوراء لأنه نفل معين لا يصدق على من نوى بعضه أنه صام يوم عاشوراء كاملاً.
المسألة الثالثة عشرة: صيام عاشوراء للمسافر.
المسافر لا يخلو من حالتين:
1ـ إن ترتب عليه مشقة: فالفطر أفضل، وقد يجب الفطر في حال زيادة المشقة.
2ـ إن لم تترتب مشقة: فقيل أنه يصوم عاشوراء، وهو الأولى؛ لأن فضلها يفوت، وعليه عمل الزهري رحمه الله كما أخرج البيهقي في الشعب من رواية ابن أخي الزهري قال: كان الزهري يصوم يوم عاشوراء في السفر، فقيل له أنت تفطر في رمضان إذا كنت مسافراً، فقال: إن الله تعالى قال في رمضان {فعدة من أيام أخر} وليس ذلك لعاشوراء.
المسألة الرابعة عشرة: هل يصوم عاشوراء من كان عليه قضاء؟
اختلف العلماء فيمن كان عليه قضاءٌ من رمضان هل يصح له أن يصوم التطوع.
على أقوال في ذلك:
1ـ عدم الجواز: لأن القضاء مقدم لانشغال الذمة به.
2ـ الجواز مع الكراهة: لما يلزم من تأخير القضاء.
3ـ الجواز من غير كراهة: وهو الراجح لعدم الدليل المانع، ولأن القضاء على التراخي وليس على الفور، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت تقضي رمضان في شعبان، واللائق بحالها أنها لا تفرط في النوافل مطلقاً طوال عام كامل.
◘ وعلى هذا يجوز لمن كان عليه قضاء من رمضان أن يصوم عاشوراء، خاصةً أن عاشوراء تختلف عن الست من شوال لأن صيام الست يتعلق برمضان بخلاف عاشوراء لا يتعلق به شيء، وعلى هذا:
المسألة الخامسة عشرة: هل يجوز أن ينوي بصيام عاشوراء قضاء الأيام التي عليه من رمضان؟
الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز أن ينوي بعاشوراء صيام القضاء الذي عليه، ويكون قضاؤه صحيحاً لأن قضاء رمضان لا يشترط له يوم معين، وإنما يتعلق بأدائه في أي يوم كان
المسألة السادسة عشرة:
أيهما أفضل لمن كان عليه قضاء من رمضان:
أن يفرد نية عاشوراء للنافلة ثم يقضي ما فاته من رمضان بعد ذلك لأجل أن يحصل على أجر عاشوراء، أم يجعلها قضاء عما فاته في رمضان؟
اختلف العلماء في ذلك على اتجاهين:
الأول: أن الأفضل أن يفرد عاشوراء بالنية فلا يجمع معها نية قضاء رمضان أو غيره، ثم يقضي بعد ذلك، والتعليل في ذلك:
◘ أن الفضل الوارد في عاشوراء مخصوص بمن يصوم عاشوراء نافلة فهو فضل معين لا يخلط معه غيره.
الثاني: أن الأفضل أن يصوم عاشوراء بنية القضاء فيكون اجتمع له فضل عاشوراء وفضل تبرئة الذمة عن القضاء، والتعليل في ذلك:
◘ أن تقديم القضاء أفضل من تقديم النافلة، والأولى والله أعلم أن يفرد عاشوراء بالنية.
المسألة السابعة عشرة: مراتب صيام عاشوراء.
ذكر ابن القيم رحمه الله أن مراتب صيام عاشوراء كما يلي:
1ـ أن يصوم عاشوراء ويماً قبله ويوماً بعده، وهي أفضل المراتب لأنها تجمع عبادات أكثر من غيرها.
2ـ أن يصوم عاشوراء ويوماً قبله أو بعده لحصول الصيام مع المخالفة.
3ـ أن يصوم عاشوراء لوحده، لحصول الصيام.
المسألة الثامنة عشرة: هل تحصل مخالفة أهل الكتاب بصيام يوم قبله كل سنة أو تكفي مرة واحدة؟
هذه المسألة تنبني على مسألة أصولية وهي:
هل الأمر يلزم منه التكرار أم لا؟
◘ والصحيح أن الأمر إذا لم تحتف به قرائن توجب التكرار فالأصل أنه لا يلزم منه التكرار، وعلى هذا فيكفي لحصول مخالفة اليهود والنصارى أن يصوم يوماً قبله أو بعده مرة واحدة، ولا شك بأن الأفضل أن يخالفهم كل سنة.