الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للطاعات، وخصّ بعض الأيام بفضائل عظيمة، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوم عاشوراء من أعظم الأيام عند الله تعالى، وقد صحّت الأحاديث في فضله ومكانته، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله، وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. وقد اجتمع في هذا اليوم العديد من الأحكام الفقهية والمسائل التربوية التي يحتاجها المسلمون، ليحيوا هذا اليوم على السنة والاتباع.
لكن في المقابل، استغلّت بعض الفرق الضالة – كالرافضة (الشيعة) – هذا اليوم لإحياء بدعهم ومظاهر ضلالهم من لطم وضرب ونياحة، فخالفوا منهج الإسلام الحق، وزادوا الأمة فرقة وابتداعاً.
ومن جهة أخرى وقع بعض جهلة السنة في الغلو المقابل، فأحدثوا أعياداً واحتفالات لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحق أن الهدي النبوي هو صيام عاشوراء شكراً لله، بعيداً عن البدع والمحدثات.
وقد يسر الله فجمعت فيه خمسين مسألة فقهية، وثلاثين مسألة تربوية، سائلا الله أن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله، وأن ينفع بها، فإلي المسائل:
المسألة التاسعة عشرة: فضل صوم يوم عاشوراء
ثبت في الصحيح من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان ".
وثبت في صحيح مسلم من طريق جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده ".
وثبت في صحيح مسلم من طريق أبي قتادة مرفوعاً قوله: " وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله ".
المسألة العشرون: من فاته صيام يوم عاشوراء ناسياً أو لعذر
الذي يظهر والله أعلم أنه لا يقضي هذا اليوم لأن الأجر متعلق بعاشوراء وقد فاته، وكل ما عُلق على سبب فإنه يفوت بفوات سببه.
المسألة الحادية والعشرون: لو حصل خطأ في بداية دخول الشهر.
لا يخلو من حالتين:
1ـ من صام عاشوراء ويوماً قبله أوبعده، فقد أصاب عاشوراء.
2ـ من صام عاشوراء لوحدها وتبين خطأ دخول الشهر: فلا شيء عليه والأحاديث العامة الدالة على سعة كرم الله وفضله تدل على أن الله يكتب له أجر عاشوراء لأن الصيام يوم يصوم الناس، وهذه الأمة أمة مرحومة في حال اجتماعها، والله أعلم.
المسألة الثانية والعشرون: صيام الأطفال ليوم عاشوراء.
ثبت في الصحيح من طريق الربيع بنت معوذ رضي الله عنها:
قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار:"من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم". قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
قال النووي (8/14): " وفي هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ".
قال ابن حجر (6/225): " وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم، ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل " أخرجه ابن خزيمة وتوقف في صحته، وإسناده لا بأس به ".
المسألة الثالثة والعشرون:
حكمة صيام يوم قبله أو بعده سنة، لأن الأصل وهو صيام عاشوراء سنة فيتبعه في الحكم ما كان تابعاً له، وفعل السنن يرغب فيها خاصة إن كانت المسألة تتعلق بمخالفة اليهود والنصارى.
المسألة الرابعة والعشرون: أيهما أفضل يوم عاشوراء أم عرفة؟
الأكثر من أهل العلم على أن عرفة أفضل لأمور:
1ـ لأنها تكفر سنتين إن تقبلها الله.
2ـ لأنها في عشر ذي الحجة وهي أفضل من عشر المحرم.
3ـ ولأن عرفة يختص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بينما عاشوراء لموسى عليه السلام، ومحمد أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام أجمعين.
4ـ وقال بعضهم بان عرفة هي الحج الأكبر، وهذا وإن كان مرجوحا إلا أن العلماء لم اتفقوا على عدم هذه الميزة لعاشوراء.
المسألة الخامسة والعشرون:
ما حكم الحناء والكحل والاغتسال والمصافحة والطبخ وإظهار الفرح والسرور وإقامة الحفلات والتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء؟ وهل ورد في ذلك أثر صحيح؟
من مختارات السقيفة: |
¨ شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل
¨ موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس
¨ نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
¨ روايات الشيعة التي تنقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
¨ من هم الشيعة الاثنا عشرية؟
لم يرد في ذلك أثر صحيح في السنن ولا المسانيد ولا غيرها، ولهذا فكل ما يفعل في ذلك اليوم على وجه العبادة فبدعة، ولعل من فَعَلَه من جهلة السنة كان يقصد مضادة الرافضة في حزنهم ومأتمهم فقابل البدعة ببدعة، وليس هذا من سبيل أهل السنة.
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (1/194):
" وأعلى ما عندهم وغاية ما ورد: ما جاء عن إبراهيم بن محمد عن أبيه المتنشر: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، قال سفيان بن عيينة: جربناه منذ ستين عاماً فوجدناه صحيحاً، وإبراهيم بن محمد: كان من أهل الكوفة، ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون علياً وأصحابه ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب.
وقال الإمام أحمد عن الأثر الوارد: لا أصل له، وكفى بذلك بطلاناً له.
المسألة السادسة والعشرون: تكفير يوم عاشوراء للسيئات هل يشمل الكبائر؟
ثبت في الصحيح أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة، ولكن إطلاق هذا التكفير لا يوجب تكفير السيئات حتى الكبائر لأنها مخصوصة بأدلة أخرى، فلا بد للكبائر من توبة، وإذا كانت الصلاة وهي أعظم من صيام عاشوراء تكفر السيئات إذا اجتنبت الكبائر فعاشوراء أقل شأنا من الصلاة المفروضة التي ثبت فيها قوله صلى الله عليه وسلم:" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر ".
المسألة السابعة والعشرون: إشكال وجوابه.
الإشكال:
ثبت في السنة أن الصلاة تكفر السيئات، وأن صيام عرفة يكفر سنتين، وأن صيام عاشوراء يكفر سنة، وأن الجمعة إلى الجمعة يكفر ما بينهما.
فإذا كُفِّر عن الإنسان بصيام يوم عرفة والصلوات والجمعة ثم صام عاشوراء فماذا يكفر عنه وقد كفرت سيئاته بأعماله الأخرى؟
الجواب:
قيل في ذلك جوابان:
الأول: أن الصيام إذا لم يكن عند الإنسان سيئات فإنه يرفع له به درجات.
الثاني: أن الصيام الذي يكفر السيئات هو الصيام المتقبل عند الله، وكذلك الحال بالنسبة للصلاة فإنها لا تكفر السيئات إلا إن كانت مقبولة عند الله، وقد ثبت في الصحيح أن الرجل ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها، وينصرف الرجل من صلاته ولم يكتب له شيئ.
لأن الأعمال تتفاضل ليس بصورتها وكثرتها وإنما بما يقم في قلب صاحبها من الإخلاص لله والمتابعة وما فيه من أعمال قلبية يقوم عليها دينه.
فليس بالضرورة أن يكون العمل متقبلاً كله، فقد يقبل بعضه، وقد يقبل الأقل منه، وقد يقبل الجزء اليسير فيكفر عما يقابله من السيئات، فالصيام يكفر جزءً، والصلاة جزءً، وعرفة جزءً، وعاشوراء جزءً، فكيف إذا كان الإنسان مصراً على الذنوب، كثير الغفلة، يسهو في الفرائض، وينتقص أركانها، ويهمل سننها!! فيكف إذا اجتمع مع ذلك محبطات للأعمال!!.
وبهذا نعلم حاجة الإنسان إلى استغلال أوقات الفضائل وأن يكون عمله خالصاً صواباً ليتقبله الله، فيؤدي ذلك العمل ثمرته من التكفير.
المسألة الثامنة والعشرون: لِم كان صيام عرفة يكفر سنتين بينما صيام عاشوراء يكفر سنة؟
ذكر ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (5/315) حكمتين:
الأولى: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.
الثانية: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فمن شريعة موسى عليه السلام، فضوعفت عرفة ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقيل في ذلك أيضا:
أنه جاء في الحديث الصحيح مرفوعاً: " عملت اليهود من الصبح إلى الظهر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت النصارى من الظهر إلى العصر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العصر إلى المغرب فأعطاهم الله قيراطين ".
فدل ذلك على أن هذه الأمة تعطى ضعف أجر اليهود والنصارى، وهذا محتمل ولا يُجزم به لأنه منخرم في أعمال كثيرة ليس لنا ضعف ما لهم فقد يزيد وقد ينقص، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء.
المسألة التاسعة والعشرون: هل صام موسى عليه السلام يوم عاشوراء؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل أهل الكتاب عن صوم يوم عاشوراء فقالوا: يوم نجى الله فيه موسى وقومه من الغرق فصامه موسى شكراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم.
فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على هذه الجملة وعدم معارضتهم دليل على صدقهم فيها، ويضاف لذلك ما كانت قريش تفعله بالكعبة من تعظيم وكسوة فدل على أن هذا يوم تعظيمه له أصل، والله أعلم.
المسألة الثلاثون:
هل فضل تكفير السيئات بصيام عاشوراء ينال من صام العاشر لوحده؟ أم لا بد من حصول مخالفة اليهود والنصارى فيشترط يوماً قبله؟
لا يشترط ذلك، فالفضل يحصل لمن صام عاشوراء، ومن خالف اليهود فصام يوماً قبله حصل على أجر المخالفة مع أجر الصيام، وجمع فضلاً إلى فضل، وذلك لأن الفضل معلق بيوم عاشوراء وهو اليوم العاشر.
المسألة الثلاثون: إذا وافق يوم عاشوراء يوم الجمعة فهل يفرد بالصيام؟
إذا وافق يوم عاشوراء الجمعة فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده: فلا حرج في ذلك، ولا يدخل في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، لأنه أضاف مع الجمعة يوماً آخر.
الثانية: أن يفرد الجمعة بالصيام: فلا حرج في ذلك؛ لوجود السبب المقتضي لذلك وهو يوم عاشوراء، فيكون مخصصاً للنهي الوارد عن إفراد يوم الجمعة بالصيام.
المسألة الحادية والثلاثون: إذا غم أول شهر محرم بغيم أو قتر فما يفعل المسلم؟
لا يخلو المر من حالتين:
الأولى: أن يصوم ثلاثة أيام، وهي: يوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده، فيكون مصيباً ليوم عاشوراء بإذن الله.
الثانية: أن تكمل عدة شهر ذي الحجة ثلاثون، ثم يصام اليوم العاشر، كما يفعل في حال وجود غيم أو قتر في دخول رمضان.
المسألة الثانية والثلاثون: إذا وافق يوم عاشوراء يوم السبت فما حكم الصيام؟
اختلف العلماء في حكم يوم السبت على قولين:
الصحيح منهما الجواز، لفعله صلى الله عليه وسلم، وحديث الصمَّاء الوارد في النهي لا يصح وهو قوله: " لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لحاء عنبٍ، أو عود شجرة، فليمضغها " أنكره مالك وقال أبو داود بنسخه.
ولو ثبت الحديث لكان مخصوصاً بوجود السبب وهو عاشوراء فكيف والحديث غير صحيح، فعلى هذا يصح صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم السبت ولا كراهة في هذا.
المسألة الثالثة والثلاثون:
إذا وافق يوم عاشوراء يوم الاثنين أو الخميس فهل يقع عن صيام الاثنين أوالخميس وعاشوراء بنية واحدة؟
هذه المسألة تنبني على مسألة أخرى، وهي: تداخل العبادات، والصحيح فيها هنا:
أنه يصح أن ينوي الإنسان عاشوراء وصيام الاثنين أو الخميس بنية واحدة، وفضل الله واسع، والله أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة والثلاثون:
لماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صيام عاشوراء مع أن صيامه كان معروفاً في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه
قيل في ذلك عدة أجوبة، منها:
1ـ أن سؤاله لم يكن لأجل الاستفهام، وإنما لأجل تأكيد أهميته وتعظيمه، ولا يمتنع أن يخرج السؤال عن الاستفهام إلى أغراض أخرى.
2ـ أن سؤاله لأنهم أهل كتاب، وكان في بداية الأمر يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه لما عندهم من إرث نبوة.
3ـ لأنه رأى التوافق بين المشركين وأهل الجاهلية وأهل الكتاب فأحب أن يسأل عن ذلك.
4ـ لأنه لاحظ أن اليهود تصوم في ربيع الأول حين مقدمه، بينما عاشوراء حسب السائد عند الجاهلية كان في محرم فسأل عن صيامهم في ربيع الأول.