من المعلوم أن سيرة النبي ﷺ محفوظةٌ حفظًا عظيمًا، وقد نقلها الثقات من أهل العلم بدقة بالغة، فبيّنوا نسبه الشريف، ومولده المبارك، ورضاعته في بادية بني سعد عند حليمة السعدية، وما صاحب ذلك من بركات ظاهرة. غير أنّ بعض الفرق المنحرفة وضعت رواياتٍ غريبة لا أصل لها، تخالف المنقول المتواتر، وتقدح في العقل والفطرة السليمة. ومن أغرب هذه الروايات ما نُسب في بعض كتبهم إلى أن النبي ﷺ رضع من صدر أبي طالب رضي الله عنه بعد ولادته! وهذه الرواية – بما تحمله من غرابةٍ وشناعة – تكشف حجم التناقض والافتراء الذي وقع فيه واضعوها.
نصوص الرواية كما وردت في كتبهم:
1- جاء في الكافي للكليني (329 هـ)، الجزء 1، صفحة 448،
باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته:
" محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن أخيه محمد عن درست بن أبي منصور عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها".
مختارات من مقالات السقيفة |
- هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟ - الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام - إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام) |
2- ونقل ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب (588 هـ)، الجزء 1، صفحة 31:
" كافي الكليني الصادق (ع): لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة فدفعه إليها".
3- وأورد المجلسي في بحار الأنوار (1111 هـ)، الجزء 15، صفحة 340، باب منشأه ورضاعه وما ظهر من إعجازه:
"الكافي: محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن أخيه محمد عن درست بن أبي منصور عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها".
الخلاصة:
هذه الرواية وما شابهها مما يرويه بعض الغلاة لا أصل لها في كتب الحديث والسيرة المعتمدة عند أهل الإسلام، بل هي من الأكاذيب المكشوفة التي تخالف القرآن والسنة والعقل والفطرة. فسيرة النبي ﷺ محفوظة بحفظ الله له، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ولا يمكن أن تُشوَّه بمثل هذه الأخبار الواهية.