إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

جاء الإسلام بدعوة جامعة تجمع بين القلوب وتوحد الصفوف، فجعل من الأخوة في الله أساساً للعلاقات بين المسلمين. وكان جيل الصحابة رضوان الله عليهم خير مثال لهذه الوحدة، إذ جمع بينهم رباط العقيدة، وزادته قوةً الروابط الأسرية والمصاهرات التي نشأت بينهم وبين آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إن المصاهرة في الإسلام ليست مجرد علاقة اجتماعية، بل هي رابطة توطد أواصر المودة والتراحم، ولذلك فقد كانت بين الآل والأصحاب مصاهرات كثيرة، تدل على وحدة الصف وتلاحم القلوب، وترد على من يحاول زرع العداوة والفرقة بين هؤلاء الأطهار الأخيار. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: 29]

فقد وصف الله تعالى الصحابة بأنهم رحماء بينهم، ومن أعظم دلائل هذه الرحمة ما كان بينهم وبين آل البيت من روابط ومصاهرات.

وبعد:

يقول الله عزوجل: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الفتح: 29]. ففي هذه الآيات العظمية التي زكى فيها الله عزوجل ظاهر الصحابة وباطنهم وصفهم بأنهم رحماء بينهم، ولا جدال في أن من مقتضيات الرحمة صفاء القلوب وطهارتها وما يترتب عليهما من حميمية ومحبة وألفة، ولا شك أن جيل الصحابة رضي الله عنهم، هذا الجيل المثالي، أول من خوطب بهذه الآية، فكان لزاماً أن تشملهم. يقول إبن مسعود رضي الله عنه: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ، فجعلهم وزراءَ نبيهِ يُقاتِلون على دينه».[1]

فعُلم أن من خُتمت به رسالات السماء يكون أفضل الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه خير الأصحاب، وآله خير الآل، وأمته خير الأمم، وزمانه خير الأزمنة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم.[2]

وعن الإمام الكاظم عن آبائه رحمهم الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لقرون أربعة: أنا في أفضلها قرناً.[3] وفي رواية: إن الله أخرجني في خير قرن من أمتي.[4]

فصَدَق فيهم قول الله عزوجل: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]

ثم نبتت بعدهم نابتة عمدت إلى وجوه الصحابة الأخيار وعيون الأتقياء الأبرار الذين سبقوا إلى الإسلام، واختصوا بصحبة رسول الأنام، وشاهدوا المعجزات، وقطعت أعذارهم الآيات، وصدَّقوا بالوحي، وانقادوا إلى الأمر والنهي، وجاهدوا المشركين، ونصروا رسول رب العالمين، فأحالت فضائل هؤلاء الأبرار إلى مثالب، وزعمت أن شرهم كان هو الغالب، ومن الطعن فيهم أسمى المطالب، وجعلت من خير القرون شر البرية، ومن أفعالهم غاية الرزية، فلم يتركوا وسيلةً للحط من أقدارهم إلا وسلكوها، ولا فضيلةً ثبتت في الكتاب إلا وردّوها، ولا منقبةً جاءت في السنة إلا وكذبوها، ولا كرامة وردت في أثر أو عن إمام إلا وأوّلوها، ولا آية في المنافقين إلا فيهم جعلوها، ولا ذم في كتاب إلا عليهم حملوها، فإن لم يجدوا إلى ذلك وسيله، وأعيتهم السُبل والحيلة، وضعوا من الأكاذيب ما وضعوا، وحاكوا فيهم من القصص ما حاكوا، وصيروا كل ما هوته أنفسهم حديثا، فخلصوا إلى أن جهود خاتم الأنبياء والمرسلين طوال الأعوام الثلاثة والعشرين لم تحقق سوى بضع نفر أقاموا على الدين، وأضحى سائر الأصحاب في زعمهم منافقين ومرتدين، ناصبوا العداء لأهل بيت خير الأنبياء والمرسلين، فخالفوا الرسول وعاندوا أهله، ولم يسلم منهم أحد بعده، واجتمعوا على غصب حق الإمام، وإقامة الفتنة في الأنام، واستأثروا بالخلافة، وسارعوا إلى الترأس على الكافة.

فكان من أمر هؤلاء أن لبّسوا الأمر على الأتباع والمريدين وأضاعوا بفعالهم هذه معالم الدين، حتى صار الحق عندهم باطل والباطل يقين، بل وجعلوا لعنهم من أعظم القربات، والتسابق إلى الحط من قدرهم أعظم الطاعات، ومن سبهم طلباً للمغفرات، وتغافلوا عما نزل في تعظيمهم من آيات، وما جاء في منزلتهم في السنة من بينات، ومِن جعل الإقتداء بهم منتهى الآمال والغايات.

    وهذا الكتيب طرح جميل، فيه من الدلائل ما يشفي العليل، ويفند ما زعمه هؤلاء، ومن أخذ عنهم من المستشرقين وغيرهم من جهلاء، فبين وجه من الوجوه التي تتعارض وما زعموا من خلال بيان العلاقة المتينة التي تربط بين الآل والأصحاب، هذه العلاقة التي ضربت أروع الأمثلة من خلال والمصاهرات بينهما.

    ولا شك أن للمصاهرات دلالات عظيمه لا تخفى على المتدبر، وحسب القارئ أن يلقي نظرة سريعة إلى كتب الفقه والسيرة ليجد ما يؤكد هذا. فهناك عشرات الأبواب في حسن إختيار الزوجة [5]. وعن الصادق رحمه الله عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة[6]. وروى أن سليمان عليه السلام أنه قال: لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا من يصاحب فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه وينسب إلى أصحابه وأخدانه.[7] هذا في الصحبة فكيف بالزوجة. وحسبك الأبواب الذي أوردناه في الحاشية ففيها غنىً.

ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصاهرات بين الآل والأصحاب:

للإستزادة راجع كتاب الأسماء والمصاهرات من إصدارات جميعة الآل والأصحاب بمملكة البحرين.

الخاتمة

إن المصاهرات بين الآل والأصحاب صفحة مضيئة في تاريخ الإسلام، تكشف عن عمق المحبة والتواصل بين أهل البيت والصحابة الكرام. وهي دليل قاطع على وحدة الهدف، وتكامل الأدوار، وأن الاختلافات السياسية التي وقعت فيما بعد لا تنفي حقيقة التلاحم الأسري والاجتماعي بينهم. ومن يتأمل كتب السيرة والأنساب يدرك مدى عمق هذه الروابط.